ثلاث مجاميع قصصية – للقاص مهدي الجابري مجموعة القصة القصيرة (شمس تشرين)– مجموعتان -ق.ق.ج (جراح تنزف حبرا /اتوا على قمصنا) (كلمات قليلة في إيصال الرسالة) عقيل هاشم
ثلاث مجاميع قصصية – للقاص مهدي الجابري
مجموعة القصة القصيرة (شمس تشرين)–
مجموعتان -ق.ق.ج (جراح تنزف حبرا /اتوا على قمصنا)
(كلمات قليلة في إيصال الرسالة)
عقيل هاشم
يحاول كثير من كتاب القصة توظيف عنصر –التكثيف والاختزال- في أعمالهم الإبداعية لاسيما القصص القصيرة جدا – وجعلهما عنصرا فاعلا في السرد يلتحم مع باقي العناصر ليشكّل مشهدا سرديا مدهشا تكون مكتنزة المعنى وذات بناء متراص ومتكامل.
في قصص القاص مهدي الجابري نكتشف قدرته البارعة على تجاوز البناء التقليدي في بناء متنه القصصي القصير , حيث تجذبك نصوصه إلى فضاء يشعرك بكثير من الدهشة وأنت ترى الصور الفنية تنمو وتتفاعل في اتساق وانتظام، إذ تسهم هذه العناصر جميعها في بناء القصة وتتضافر من أجل أن تعطينا نصا له نكهة خاصة تتأسس على اختلاف الثيمة طبعا في طريقة الحكي شكلا وملامسة القضايا الانسانية المصيرية مضمونا..
باسم التجريب يحاول القاص الجابري بث افكاره حيث تتشكل قصصه القصيرة والتي تروم الى معمارية متكاملة بناءً حديثاً يسعى إلى التجاوز و خلخلة أنماط السرد التقليدي وزحزحة أفق انتظار القارئ. تجتذب هذه القصص القارئ وتستهويه ، ابتداء من العنوان حيث المتعة التي توفرها المتون السردية المكثفة والتي تنهض بها الحكاية ، جمل شعرية شديدة الإيجاز تحمل كثير من غنى الدلالة وقوة المعنى ما ينطق صراحة بنضج القصة واستواءها فنيا . بعيدا عن الإنشائية والوصف الفضفاض، حيث اعتمدت قصصه الكلمة الدالة الموحية والتي تؤكد على حقيقة أن القصة القصيرة هي قصيدة العصر الحديث وأنها استطاعت بما امتلكه القاص الجابري من موهبة وثقافة واسعة أن يأخذ أجمل ما في الشعر وهو اللغة وأجمل ما في القصة وهي الحكاية ويخرجها إلى القارئ تحت عنوان القص المعاصر"
إن المتأمل في نصوص القاص مهدي الجابري القصيرة يلاحظ ورود كثير من الصور الانسانية القصيرة والمكثفة المبهرة مجالاً خصباً لمفهوم التجريب وبخاصة المنهج الاجتماعي /النفسي. ورصد الصراع الذي يعيشه الإنسان مع ذاته ومع الآخر في ظل التحولات السريعة والمعقدة التي يشهدها العالم المعاصر، تاركاً باب تعدد القراءات والتأويلات مفتوحاً على مصراعيه، ما دام النص قابلاً لكل الاحتمالات.
إن القاص مهدي الجابري شديد الوعي بجنس القصة القصيرة - ق.ق.ج لذلك تجده يحرص كل الحرص على الاجادة في كتابة نصوصه القصيرة من غير أن ينزلق في متاهات الغموض، متسلحا بكثير من تقنيات الكتابة القصصية، وتجده أيضا يصر على إمتاع القارئ وإهدائه لذة القراءة من خلال حكاية مشوقة يمتزج فيها الواقعي بالمتخيل.
(مجموعة قصص قصيرة –شمس تشرين )
(قصة بعنوان –صدمة-كعادتها تنهض مع خيوط الصباح الاولى . ترقص مع بندول الساعة , تصفف شعرها الجميل , شابة واعدة حالمة بمستقبلها ملازم كوثر متميزة عن اقرانها كونها تطوعت بصفة طيار ,وهي الدورة الوحيدة من نوعها بعد تناول افطارها , ترتدي بزتها الجميلة بزي القوة الجوية انذاك في منتصف ثمانينيات القرن الماضي ,تصعد سيارتها الحديثة , تلاعب المفاتيح بزهو تفتح باب السيارة ترفع خصلات متمردة من احكام شعرها الاسود المعقوص...الخ )
اما القصة القصيرة جداً فأنها تتناول مادتها من قلب المجتمع، حيث تكشف عيوبه وتنقدها، بطريقة بارعة كمبضع جراح، فهي ليست مجرد عبارات فحسب دون معنى، بل لها هدف له قيمته. أحداثها تسير في إيقاع سريع، لذا هي تستند إلى نهاية مباغتة، تجعل القارئ يتلقى الفكرة بقوة، فالنهاية في القصة كانت غير نمطية وصدمت القارئ، لحظات لذة ومتعة، ثم قادنا القاص إلى اتجاه مغاير تماماً، يجعل القارئ يتوقف ويعيد قراءة القصة، نتيجة ما أحدثته نصوصه من صدمة ودهشة.
(مجموعة ق.ق.ج – جراح تنزف حبرا )
( ق.ق.ج أظهار-كشفت عنها , تعرت امامي, ناصعة البياض, غازلتها لاخدعها , وحدها شجرة اليقطين , غطت سوءة الحقيقة )
هنا أبدع الكاتب في استخدام المفارقة وتفجير المتوقع والتكثيف والترميز والنهاية المباغتة، وكانت هذه الصورة صدمة للمتلقي وكسر افق تلقيه , النص لم يكن موجزاً وحسب، بل يعبر عن موقف شمولي، أتاح له الانطلاق من بيئته المحلية إلى العالم الكوني، ونجح الكاتب في استخدام كلمات قليلة في إيصال الرسالة التي يريدها.
حيث نلاحظ ان النص أرتكز على الاختزال الذي ينتج التوتر، والنفس المضطربة والقلقة ، وهذا الأمر يعطي للقصة مديات قرائية بلا حدود، مما يجعل القارئ الفطن يعيد بناء النص من جديد.
(مجموعة ق.ق.ج-اتوا على قميصنا بدم كذب )
(ق.ق.ج ضريبة – اتوا على قميصنا بدم كذب , باعونا بثمن بخس , منع علينا الكيل ,تركونا يموج بعضنا ببعض على مد شعير .)
نلاحظُ على مدار هذه القصة ذاك التناص مع قصة سيدنا يوسف ع واخوته وظلمهم له, والتفاعل بين الدلالة الرمزية للبعد المادي للقميص وعليه دم كذب– والدلالة الرمزية – للخيانة -، واسقاط تلك القصة على الخفايا التي يتعرض له اليوم الوطن من تحديات والاخوة لايبالون لما يجري . على ضوء هذا التوجّه النقدي نلاحظُ أنّ كل مقطع في هذه القصة – يحملُ تطوراً في المسار الدرامي للقصة-نفسياً – وفكرياً .
التي تُمثّلُ نموذجاً للذات الإنسانية المتصدعة – القصة لا تكتفي بتشابهها مع قصة يوسف ع – في صمتها وانزوائها – بل تتعدى هذا الحدّ من الاغتراب إلى ذروة أكثر مأساوية، هي محاولة التَّماهي وكأنه خروجُ من الواقعي وانتماءٌ لعالم الغرائبي. ووفق هذا التَّلقّي يرمزُ الى عبارات –الخيانة والخذلان - و لهذا التحول الفاجع الذي يمثّلُ ذروة الاغتراب للإنسان الذي يرزح تحت جروح احدثها الاخوة اليوم.
وختاما اقول ان المجاميع القصصية الثلاث اتسمت – بالتكثيف وسرعة الإيقاع، والإفادة من تقنية المونتاج -الفن السينمائي ، والتَّماس مع الشعر في الارتكاز على الإشارة والإيجاز، واللغة الحدسية، التي تُومضُ كالبرقِ، فتقتنصُها الصورة الشعرية، و(القصصية المكثّفة) لتُديمَ حضورها وتبسطها أمام العين كي تتأمّلها، فتأسرُها ، لحضورٍ آنيٍ ما بين المبدع والمتلقّي.
فيما يخصُّ الشخصياتٍ في قصص المجاميع القصصية , تبدو ذواتاً إنسانية متصدّعةً تكابدُ ألواناً مختلفة من الاغتراب، ممّا أجبرها على مواجهةٍ حدّية حادةٍ مع الآخر – الأفراد أو المجتمع برمته – ودفعها إلى القطيعة مع مُحيطها في صور متباينة منها: الصمت، والعزلة، ونعتقدُ أن «تعقد الحياة المعاصرة من أهم الأسباب المؤدية إلى تفاقم الشعور الإنساني بالاغتراب.
وبالتالي هي ذوات ضائعة، باحثة – في غيرِ جدوى – عن وجودها وخلاصها، لكنه بحثٌ غير مجدٍ، فهي صور كثيرٍ من شخصيات غارقة بالهموم .لذا نجد ان القاص عمد الى شخصيات بلا أسماء مما ينسجم ومناخات الاغتراب والتشيؤِ.
مجموعة القصة القصيرة (شمس تشرين)–
مجموعتان -ق.ق.ج (جراح تنزف حبرا /اتوا على قمصنا)
(كلمات قليلة في إيصال الرسالة)
عقيل هاشم
يحاول كثير من كتاب القصة توظيف عنصر –التكثيف والاختزال- في أعمالهم الإبداعية لاسيما القصص القصيرة جدا – وجعلهما عنصرا فاعلا في السرد يلتحم مع باقي العناصر ليشكّل مشهدا سرديا مدهشا تكون مكتنزة المعنى وذات بناء متراص ومتكامل.
في قصص القاص مهدي الجابري نكتشف قدرته البارعة على تجاوز البناء التقليدي في بناء متنه القصصي القصير , حيث تجذبك نصوصه إلى فضاء يشعرك بكثير من الدهشة وأنت ترى الصور الفنية تنمو وتتفاعل في اتساق وانتظام، إذ تسهم هذه العناصر جميعها في بناء القصة وتتضافر من أجل أن تعطينا نصا له نكهة خاصة تتأسس على اختلاف الثيمة طبعا في طريقة الحكي شكلا وملامسة القضايا الانسانية المصيرية مضمونا..
باسم التجريب يحاول القاص الجابري بث افكاره حيث تتشكل قصصه القصيرة والتي تروم الى معمارية متكاملة بناءً حديثاً يسعى إلى التجاوز و خلخلة أنماط السرد التقليدي وزحزحة أفق انتظار القارئ. تجتذب هذه القصص القارئ وتستهويه ، ابتداء من العنوان حيث المتعة التي توفرها المتون السردية المكثفة والتي تنهض بها الحكاية ، جمل شعرية شديدة الإيجاز تحمل كثير من غنى الدلالة وقوة المعنى ما ينطق صراحة بنضج القصة واستواءها فنيا . بعيدا عن الإنشائية والوصف الفضفاض، حيث اعتمدت قصصه الكلمة الدالة الموحية والتي تؤكد على حقيقة أن القصة القصيرة هي قصيدة العصر الحديث وأنها استطاعت بما امتلكه القاص الجابري من موهبة وثقافة واسعة أن يأخذ أجمل ما في الشعر وهو اللغة وأجمل ما في القصة وهي الحكاية ويخرجها إلى القارئ تحت عنوان القص المعاصر"
إن المتأمل في نصوص القاص مهدي الجابري القصيرة يلاحظ ورود كثير من الصور الانسانية القصيرة والمكثفة المبهرة مجالاً خصباً لمفهوم التجريب وبخاصة المنهج الاجتماعي /النفسي. ورصد الصراع الذي يعيشه الإنسان مع ذاته ومع الآخر في ظل التحولات السريعة والمعقدة التي يشهدها العالم المعاصر، تاركاً باب تعدد القراءات والتأويلات مفتوحاً على مصراعيه، ما دام النص قابلاً لكل الاحتمالات.
إن القاص مهدي الجابري شديد الوعي بجنس القصة القصيرة - ق.ق.ج لذلك تجده يحرص كل الحرص على الاجادة في كتابة نصوصه القصيرة من غير أن ينزلق في متاهات الغموض، متسلحا بكثير من تقنيات الكتابة القصصية، وتجده أيضا يصر على إمتاع القارئ وإهدائه لذة القراءة من خلال حكاية مشوقة يمتزج فيها الواقعي بالمتخيل.
(مجموعة قصص قصيرة –شمس تشرين )
(قصة بعنوان –صدمة-كعادتها تنهض مع خيوط الصباح الاولى . ترقص مع بندول الساعة , تصفف شعرها الجميل , شابة واعدة حالمة بمستقبلها ملازم كوثر متميزة عن اقرانها كونها تطوعت بصفة طيار ,وهي الدورة الوحيدة من نوعها بعد تناول افطارها , ترتدي بزتها الجميلة بزي القوة الجوية انذاك في منتصف ثمانينيات القرن الماضي ,تصعد سيارتها الحديثة , تلاعب المفاتيح بزهو تفتح باب السيارة ترفع خصلات متمردة من احكام شعرها الاسود المعقوص...الخ )
اما القصة القصيرة جداً فأنها تتناول مادتها من قلب المجتمع، حيث تكشف عيوبه وتنقدها، بطريقة بارعة كمبضع جراح، فهي ليست مجرد عبارات فحسب دون معنى، بل لها هدف له قيمته. أحداثها تسير في إيقاع سريع، لذا هي تستند إلى نهاية مباغتة، تجعل القارئ يتلقى الفكرة بقوة، فالنهاية في القصة كانت غير نمطية وصدمت القارئ، لحظات لذة ومتعة، ثم قادنا القاص إلى اتجاه مغاير تماماً، يجعل القارئ يتوقف ويعيد قراءة القصة، نتيجة ما أحدثته نصوصه من صدمة ودهشة.
(مجموعة ق.ق.ج – جراح تنزف حبرا )
( ق.ق.ج أظهار-كشفت عنها , تعرت امامي, ناصعة البياض, غازلتها لاخدعها , وحدها شجرة اليقطين , غطت سوءة الحقيقة )
هنا أبدع الكاتب في استخدام المفارقة وتفجير المتوقع والتكثيف والترميز والنهاية المباغتة، وكانت هذه الصورة صدمة للمتلقي وكسر افق تلقيه , النص لم يكن موجزاً وحسب، بل يعبر عن موقف شمولي، أتاح له الانطلاق من بيئته المحلية إلى العالم الكوني، ونجح الكاتب في استخدام كلمات قليلة في إيصال الرسالة التي يريدها.
حيث نلاحظ ان النص أرتكز على الاختزال الذي ينتج التوتر، والنفس المضطربة والقلقة ، وهذا الأمر يعطي للقصة مديات قرائية بلا حدود، مما يجعل القارئ الفطن يعيد بناء النص من جديد.
(مجموعة ق.ق.ج-اتوا على قميصنا بدم كذب )
(ق.ق.ج ضريبة – اتوا على قميصنا بدم كذب , باعونا بثمن بخس , منع علينا الكيل ,تركونا يموج بعضنا ببعض على مد شعير .)
نلاحظُ على مدار هذه القصة ذاك التناص مع قصة سيدنا يوسف ع واخوته وظلمهم له, والتفاعل بين الدلالة الرمزية للبعد المادي للقميص وعليه دم كذب– والدلالة الرمزية – للخيانة -، واسقاط تلك القصة على الخفايا التي يتعرض له اليوم الوطن من تحديات والاخوة لايبالون لما يجري . على ضوء هذا التوجّه النقدي نلاحظُ أنّ كل مقطع في هذه القصة – يحملُ تطوراً في المسار الدرامي للقصة-نفسياً – وفكرياً .
التي تُمثّلُ نموذجاً للذات الإنسانية المتصدعة – القصة لا تكتفي بتشابهها مع قصة يوسف ع – في صمتها وانزوائها – بل تتعدى هذا الحدّ من الاغتراب إلى ذروة أكثر مأساوية، هي محاولة التَّماهي وكأنه خروجُ من الواقعي وانتماءٌ لعالم الغرائبي. ووفق هذا التَّلقّي يرمزُ الى عبارات –الخيانة والخذلان - و لهذا التحول الفاجع الذي يمثّلُ ذروة الاغتراب للإنسان الذي يرزح تحت جروح احدثها الاخوة اليوم.
وختاما اقول ان المجاميع القصصية الثلاث اتسمت – بالتكثيف وسرعة الإيقاع، والإفادة من تقنية المونتاج -الفن السينمائي ، والتَّماس مع الشعر في الارتكاز على الإشارة والإيجاز، واللغة الحدسية، التي تُومضُ كالبرقِ، فتقتنصُها الصورة الشعرية، و(القصصية المكثّفة) لتُديمَ حضورها وتبسطها أمام العين كي تتأمّلها، فتأسرُها ، لحضورٍ آنيٍ ما بين المبدع والمتلقّي.
فيما يخصُّ الشخصياتٍ في قصص المجاميع القصصية , تبدو ذواتاً إنسانية متصدّعةً تكابدُ ألواناً مختلفة من الاغتراب، ممّا أجبرها على مواجهةٍ حدّية حادةٍ مع الآخر – الأفراد أو المجتمع برمته – ودفعها إلى القطيعة مع مُحيطها في صور متباينة منها: الصمت، والعزلة، ونعتقدُ أن «تعقد الحياة المعاصرة من أهم الأسباب المؤدية إلى تفاقم الشعور الإنساني بالاغتراب.
وبالتالي هي ذوات ضائعة، باحثة – في غيرِ جدوى – عن وجودها وخلاصها، لكنه بحثٌ غير مجدٍ، فهي صور كثيرٍ من شخصيات غارقة بالهموم .لذا نجد ان القاص عمد الى شخصيات بلا أسماء مما ينسجم ومناخات الاغتراب والتشيؤِ.