×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

Chaza Awad - شذى عواد · كان مشوار سوق الحميدية و المرور على بوظة "بكداش "

Chaza Awad - شذى عواد ·  كان مشوار سوق الحميدية و المرور على بوظة  "بكداش "
 Chaza Awad - شذى عواد ·
كان مشوار سوق الحميدية و المرور على بوظة
"بكداش " التي ما زال طعمها عالقاً في ذاكرتي هي متعتي في أيام الصيف الدمشقي .
كنت أراقب سواعد الشباب المفتولة وهي تدق البوظة بالهاون الخشبية في الأجران النحاسية وكأنك في حفلة عرس . ولاأبرح المكان دون المرور بسوق البزورية الملون لشراء القباقيب ، والشطي مطي ، و حلوى الملبّس.
في ركن قريب من مسكني هنا في أميركا دكان صغير لا يشبه متاجر أميركا الفارهة ، بل دكان العم « أبو سعيد “ المتواضع في حارتنا في الشام .
أكياس الرز والبرغل مكدسة على الأرض ، الخضار محبوسة ٌ في صناديق خشبية أغلبها مكسور الأطراف ، الفوضى في كل مكان ، ورائحة الشام أيضاً.
تشي لهجتي الأميركية بأنني لست من مواليد المكان . ما يثير فضول البعض هنا ، لا أملك شعراً ذهبياً ، وبشرة ثلجية ، أتشارك مع الأميركيين بلون العينين فقط ...
تسألني سيدة تتسوق في المكان بابتسامة لطيفة باللهجة الأميركية المحلية ، من أين أتحدر؟
تغمرني فرحة مؤقتة وبعض الزهو وأنا أتحضر للجواب ، رغم أنني معتادة على هذا السؤال ، أجيبها، وتبوح ملامحها بأن جوابي لم يكن شافياً فضولها .
فألجأ إلى توسيع خارطة المنطقة في ذهني ، أنا التي أكره الجغرافية وأقول بحماس ، فلسطين ، الأردن ،العراق ،
العراق… تغفو عيناها بحسرة ، وكأنني نكأت جرحاً في روحها…
أفرجت عنه بقولها : لقد ُقتل حفيدي هناك ، تتلاشى ابتسامتي ببطء، و أضيف: " أنا من بلد يتشارك مع العراق بالحدود“.
كان هذا قبل عام ٢٠١١، اليوم لم أعد بحاجة للجغرافية، أخبار وطني والحرب باتت تملأ الشاشات ، وأبناؤه حطوا رحالهم هنا .
و قد يتعرفون على جنسيتك من ملامحك فلا يشق عليهم معرفة أنك من الشرق البعيد المتعب ، أو ربما يستدلون على أرضك من مطعم ترتاده لتأكل ورق العنب الشامي ، أوالمندي اليمني، أوالمسكوف العراقي ، والمسخن الفلسطيني باحثاً عن طعم وطنك، ورائحته. بعد أن أنهكت الحروب بلادنا.
أنتقي فستاناً أسود من حوائجي التي ما زال بعضها مصطفاً داخل حقائب السفر ، رافضاً مثلي التسليم أنها حطت في مكان جديد لألبي دعوة سيدة سورية وصلت حديثاً من “ البلد “ لحفل مباركة بمولودها الصبي .
في الطريق الذي يستغرق نصف ساعة على ”الهاي وي “ الأوتوستراد السريع تجرأتُ و استعضت ُ عن صوت «فيروز» بصوت « بيونسي » السمراء الفاتنة ذات الصوت الساحر .
الطريق المستقيم إلى وجهتي أطلق مخيلتي لإنشاء سيناريو محتمل لهذه الأمسية السورية ، ،،
سألتقي بناس بلديات منهم من سبقني ، و منهم قادمين جدد ، سنتحدث باللهجة السورية ، و استفسر عن أحوال بلادي ، و استمع إلى شجونهم ، أشواقهم ، و إنجازاتهم في الوطن “ البديل “ .
كان الطقس بارداً في الخارج .
لحظات ،،، و بدأ الدفء يتسلل إلى قلبي عبر تلك الوجوه التي اكتظ بها المكان .
القاعة غارقة بالنساء فقط ، لست مطالبة هنا بالتفكير في الخرائط الجغرافية ، بل انشغلت بالاستماع إلى الأحاديث بلهجة أشتاقها.
فُتح باب القاعة العريض معلناً وصول طلبية الطعام .
و تبعاً للعادات عند دخول رجل غريب إلى الدار توجب على النساء تغطية رؤووسهن . وما أن أغلق الباب حتى انسدلت الأغطية من على رؤوس النساء ، و الألوان تملأ المكان من جديد ، و بدأت الأقدام تتراقص ،،،
“ سلام “ احتضنت الدربكة ، و بأنامل ناعمة مطلية بالأحمر شرعت تغازل بإيقاع مدروس خصور النساء اللواتي تحلقن حولها ، و كأنك في أرض الديار في بيت شامي قديم ، و في الدار نافورة ثرثارة .
و لو دققت في المشهد عن قرب ستلحظ أن أغلب المتباريات كن من الصبايا المقبلات على الزواج ، و تلمح وشوشات الأمهات تسأل عن هذه ، أو تخبر عن تلك ، فهذه فرصة ذهبية قد لا تعوض لتحظين ب “ بنت الحلال “ لابنها من أبناء البلد .
و لثوان ٍنسيت أنني في بلاد العم سام …
“ تفضلوا يا جماعة ، أهلا و سهلا “ ، تقول صاحبة الأمسية داعيةً الحضور إلى الطعام …
تأخذك رائحة الأطايب إلى مطبخ جدتك أو أمك في البلد ، رز وشاكرية ، ورق عنب ، كبة بأنواعها، حراق باصبعو، أما التحلاية كنافة اللاذقية ، حلاوة الجبن الحمصية ، و المدلوقة الشامية .
حدثتني نفسي إن أبو عصام في باب الحارة سيطل برأسه بعد قليل قائلا “ خدوا طريق ، يا جماعة “، أو أن أجد الداية ” أم زكي ” بين الحضور تستفسر عن عمري وفي جعبتها عريس، ابتسمت في سري ،،،ليقطع شردوي صوت صباح فخري يشدو
“قل للمليحة بالخمار الأسود“. وأعود أدراجي منتشية بالذكريات، مهزومة ًمن نفض غبار الحنين عن كلي، فتلك البلاد وإن لم نكن فيها ، فهي فينا، والبعيد عن العين ، قريب جداً من القلب …
image

image

image

image

image