منشورات آخر الأخبار Madeeha Barawi مع القس جوزيف إيليا. د · قراءة أدبيّة تحليليّة لقصيدة الشّاعر القس جوزيف إيليا " لهذا سوف أحيا" ٧/١٢/٢٠٢٣
منشورات آخر الأخبار
Madeeha Barawi مع القس جوزيف إيليا.
د ·
قراءة أدبيّة تحليليّة
لقصيدة الشّاعر
القس جوزيف إيليا
" لهذا سوف أحيا"
٧/١٢/٢٠٢٣
إنّي أراني في حضرة
" المخلِّص " ..
المثقل بأرتال وجع
يتربَّص ..
تلملمه يقظة الجود
فيتقلَّص
إنّ هذا يحدث عندما تسمو المشاعر والأحاسيس
وترتقي النّفس إلى أيقونات النواميس
وتبدو المواقف أكثر رسوخًا
فتتجلّى بنظرة ثاقبة
ورؤية شموليّة أعمق
ونبض شعاع دافق
يرتقي إلى عالم
ليس على الأرض
بل على صهوة بُراق يحلِّق
يحملنا إلى عوالم من النقاء
هناك في أعالي السماء
ليروي جفاف الواقع
المرير بالاستسقاء .
هذا مااستقرأته
وأنا بحضرة ناسك زاهد
لم يعتكف في صومعة للعبادة
بل عايش المصاعب والأزمات
التي تلاحقت وتزاحمت
في وطنه
على غير العادة .
ونالت من أهله وذويه
ومحبيه بل من كل
أبناء وطنه الغالي
فألهبت أحاسيسه
وأيقظت المشاعر
ودعته دون سابق إنذار
لولوج المزالق
واقتحام العوائق
وإطلاق عنان
باع طويل كريم
يحوطه نبض إنساني حميم
فاح في أرجاء
النشيد
عبر بناء هندسي
منظوم
وموزاييك نكهة
سايكولوجية الأبعاد
دلفت بثقة وسلام
تنسج بريق عنوان
جاذب مثير
بما يبثه من أثير
خرافي التأثير ..
" لهذا سوف أحيا "
مميز عنوان !!
جسد /العتبة / الفنية
التي نجح شاعرنا
بعالي حِرفية
في اعتمادها
كمدخل جاذب مثير
عبر بنية دلالية
لقصيدة منظومة
أخذت تتحرك برمتها
في نطاق رحب
من الفضاء الأدبي
ولا عجب
فقد لمّح من خلاله
لطول معاناة وحيرة
أوصلته لضالته
والسبب .
عبر بنية دلالية
جسدت بشفافية
كرم الغيث والرفد والسقيا
من شافي دواء وزخم نوال
يسبق السؤال
بنبل وأصالة موقف إنساني
لناسك يتضور وجعًا
مما يحيط به من سوء حال
- ظامئ منهار
- ومحزون غزاه السقم
- وجائع وتائه بين المحن :
" للظّامئِ المُنهارِ أسكبُ مائيا
وعلى الّذي يَعرى أمدُّ غطائيا
ولمُشتكٍ حزنًا وقهرًا
إنّني أشدو بما يُنسي
الكروبَ غنائيا
ولمن غزاهُ السُّقْمُ هادًّا جسمَهُ
أسقيهِ حتّى لا يخورَ دوائيا
وأنا إلى الجوعانِ أجري مسرعًا
فأبوسُهُ ولهُ أصبُّ غذائيا
ولتائهٍ تغتالُهُ أفكارُه
وتُريهِ مايُشقي أُعيدُ ندائيا"
ولتعميق الارتباط الوجداني العاطفي بينه وبين جميع أفراد مجتمعه
ولتبيان مدى انخراطه والتحامه
على المستوى الشعوري
جسد عمق معاناة الذات
مع كل أنواع وألوان المأساة المجتمعية التي تعيشها
جميع الفئات في وطنه
ونسج أجمل اللوحات الإنسانية التي تجسد مواقف أصيلة
في الإغاثة ومد يد العون والتضحية بالغالي والنفيس
سعياً لإنقاذ جميع المنكوبين
على أرض الوطن
فهناك من نمت الأشواك بدياره
ومن نفر من الضياء وركن للحلكة الدامسة المحيطة به
ومن شارف على الهلاك واستسلم له لن أبخل عليه بدمي ونبضي .
فهذا مبدئي في الحياة
مبادرة الإساءة بالحسنى
التي تزيدني تألقا وبهاء .
حتى مع من ملأ الحقد قلبه فشوّه مايحيط به من الجنان
وعاث فيها فساداً
" لمن نما شوكٌ بأرضِ حياتِهِ
أمضي فيصبحُ عن أذاهُ نائيا
ولكارهٍ قمرَ الضّياءِ أقودُهُ
للضّوءِ تعشقُ عينُهُ أضوائيا
ولناشرٍ قُبْحًا يشوِّهُ جنّةً
إنّي أُريهِ كي يكُفَّ بهائيا
ولمن جرى دمُهُ وهُيّئَ قبرُهُ
أعطيهِ إنْ زادَ النّزيفُ دمائيا"
وعلى المستوى السايكولوجي المتغلغل لما تحت الشعور الأنوي
تبدّت تطلعات روح تنعتق من إسارها نحو عوالمها الشاعرية لترتق الثقوب وتعالج الندوب
وتهب ماتملك على تلك الدروب ليعود عالم الشعر
إلى ماكان عليه من جمال وجلال وأصالة .
" ولشاعرٍ ساءتْ قوافيهِ أنا
أحنو عليهِ واهبًا إنشائيا"
وهاهي شعلة الحماس الوطني والإنساني تتوهج
لدى شاعرنا الكريم
فينتقل للغة خطاب مباشر
يجلجل الأصقاع
ويصدح مناديا بأعلى صوته
علّها تنصت له الأسماع
ويستجيب لندائه
وليَده الممدودة بالغوث والعطاء
كل مسحوق في بلاده
ويبلغ الحماس والاندفاع مداه وهو يعدد خصاله وفعاله ومناقبه التي يعتز ويفاخر بها
فهو البطل الصنديد
الذي يجتاز الصحارى والقفار
لايهاب وحوشها الضارية
ولا أفاعيها السامة
يجتازها بأمان
درعه الواقية
التي يرفعها بطمأنينة
راية الوداد والوئام
وبعد طول عناء
يشيّد بناء المحبة والسلام
بشعاع نور يرتكز
على سفوح الفجر
بعتاد منظومه وتبر قصائده
التي تمثل زخم الحياة الإنسانية الحقة
التي ينشرها بين العباد
صباح مساء
في كل واد :
" يا أيّها المسحوقُ لا ترفضْ يديْ
وتعالَ نحوي سامعًا أنبائيا
خضتُ الصّحارى لمْ أهبْ حيّاتِها
ورفعتُ فوق ربى الودادِ لوائيا
ومسحتُ عن خطواتِ رجْليْ طينَها
وعلى جبالِ الفجرِ شِدتُ بنائيا
قلتُ : الحياةُ قصيدتي سأقولُها
عندَ الضُّحى وبها أَزينُ مسائيا "
ويطلق الشاعر العنان
لجامح بنات الخيال السارحة في حَيّ وجدان
حاز الرضى عن الذات والكيان
فهاهي الأفواه التي انتشلها وأغاثها تلهج باسمه
وتبر حروفه وخمائله ومواقفه
التي لن تحرقها النيران
ولن تذروها العواصف الهوجاء
بل سيبتسم لها الزمان ويحفظها في ناصع الصفحات
ويحصنها ضد أقبية الصعاب والمحن والخيبات
على دروب الحياة :
"ما أعذبَ الأفواهَ تنطِقُ أحرفي
والدّهرُ يحضنُ باسمًا أشيائيا
إنّي تركتُ خمائليْ مفتوحةً
يرتادُ كلُّ معذَّبٍ أجوائيا
والنّارُ لن تكويْ أصابعَ راحتي
وزوابعٌ ليست تزيدُ عنائيا
فلقد هجرتُ كهوفَ خيباتي وقد
ودّعتُ قبْوَ كوارثي وبكائيا "
وختامها مسك كما يقال
فقد صال وجال شاعرنا
وأحرز السبق في ميدان البطولة لكريم الخصال والفعال
لقد امتلك الأرض وما عليها
ممن أحب
فهو الملاك الطاهر والطفل البريء وحمام السلام
الذي فتحت له السماء أبوابها لتحتضن كراماته النبيلة
التي ستحفظ وتخلد ذكراه
على طول الدهر
فهو النبيل الأصيل الذي يرعى البلابل والزنابق والزهور
وهو البطل الهمام الغيور
الذي لايسكت على الضيم
والعنف
بل تجاهر بالرفض
لاءاته الألف
بإنسانية جريئة مقدامة
وحق مواطَنة
لاتعرف المهادنة :
" الأرضُ ليْ وجميعُ ما أحببتُ ليْ
وغدًا سأدخلُ كالملاكِ سمائيا
طفلًا ظلِلتُ وكالحَمامِ سلكتُ في
دُنيايَ صُنتُ من الغبارِ ردائيا
وأنا لهذا سوف أحيا خالدًا
أنمو ولا شيءٌ يهُزُّ بقائيا
ومعي تعيشُ بلابلٌ وزنابقٌ
وبوجهِ مايُدمي سأُطلِقُ لائيا "
- غوص في خضم بحر النص :
لقد برع الشاعر بالتجديف
في بحر الشعر رغم تلاطم أمواجه نظرًا لامتلاكه القدرة على ترويض لغته وإخضاع المفردات والتراكيب لحالة أرقى تتجاوز المألوف والمتعارف
وبمجرد الانخراط في قراءته يطالعنا مايظهره الشاعر
من تماه مع محيطه الاجتماعي
وما يملكه من حس فني مرهف يسعفانه على الإبحار عبر تموجات اللغة الشعرية المتعددة المعاجم الدلالية ببراعة وإتقان يختار بعناية فائقة مفرداتها التعبيرية التي يتوالد عبرها معان ودلالات جديدة متشعبة تسعفه في الابتكار والتجدد باستمرار .
- هرمية النص في تشكيل الصورة الشعرية وتراكيبها اللفظية :
تميز النص في تشكيله
لأروع الصور الشعرية المشحونة بقوة إيحائية تسبر أغوار النفس وتوظف إيحاءاتها بأدوات تعبيرية ورؤية شعرية تحمل في طياتها توقعات مستقبلية في طور التشكل والانبعاث من رماد واقع مرير تردفه قدرات ثقافية مرموقة نهلت من نبع الأدب حديثه وقديمه حد الارتواء ماأكسبه فكرا يتسم بالجدة والأصالة والقدرة على المزاوجة بينهما
في تشكيل الصور الشعرية بانسيابية وخطوط متوازية تحرص على نقل القارئ عبر تماوجات صور ذهنية تحقق تآلفا بين الحسي والرمزي المعنوي في الشكل
والمضمون إلى الحد الذي يولّد الاندهاش لدى القارئ أحيانًا باللغة الاستعارية
وفضاءاتها والمشاعر المشحونة بالألم والقهر والجوع والانسحاق والتي خيمت على بعض أجنحة النص حيناً وشطحات تطلعاته الإنسانية الجامحة التي خيمت على أجنحة النص حينا آخر
من كرم وجود باذخ حد الترف وعطاء تمده إنسانية شاعر يضحي بالغالي والنفيس ويقدم كل مايملك لأخيه الإنسان لينتشله من المحن والهلاك .
- البناء النظمي والمستوى الصوتي في النص :
بالنسبة للبناء النظمي للقصيدة على مستوى جمالية اللغة الشعرية نجد بناءً وزنيًّا مميزًا يعكس الرتم الإيقاعي الذي تعزفه القصيدة ككل والذي يتحقق بطريقة الإيقاع الخارجي ثم الداخلي
في أتون نص فراهيدي الوزن حداثي الصياغة والمعاني
ذو بعد نفسي وجداني ونكهة فلسفية بأطيافها الإنسانية
المحكمة شعرياً
بأسلوب يستفز ذائقة المتلقي ويحفز لديه حب الاطلاع
لينخرط في متن
رؤية شعرية حياتية تحمل هماً مجتمعياً إنسانياً سامي الهدف بعمق وشمولية
رسم الشاعر لوحاته الشعرية بتوظيف مفردات مستقاة
من حقول دلالية متعددة تؤكد موهبته الأصيلة الغنية
حيث نلحظ رصد مفردات
وعبارات منسجمة متناغمة السياق على طول بساط المتن
من معجمه العاطفي الوجداني المفعم بالمعاناة
والمؤمن يقيناً بالمخلص الذي
تقمصه ليشعل فتيل الأمل
بغد أجمل وأفضل
ويمكننا تلمس النمط الإيقاعي المزدوج من خلال عنصرين هيمنا على مقاطع القصيدة بشكل واضح وهما التوازي بين المعاناة والخلاص
والتكرار في كل منهما
للتأكيد وتثبيت الفكرة في الأذهان على كل منهما
وعلى أهمية دوره
في الحياة كمخلص ومنقذ :
حيث كرس مفردات
"المعاناة :
الظامئ . المنهار . الحزن . القهر . الكرب . السقم . الجوع . الاغتيال . الشقاء . الشوك . الأذى . الكاره . القبح . التشويه
النزيف . جريان الدم . المسحوق . النار تكوي الأصابع .
الزوابع . الهجر . القبو .
وبالتوازي والمقابل
فقد تكررت مفردات الخلاص
وجذوة المخلص :
سكب الماء . مد الغطاء . الغناء.
الدواء . الغذاء . أبوس . أهب .
الأضواء . البهاء . الزاد . اليد الممدودة . الوداد . الفجر . البناء . يزين . يحضن . باسما .
خمائل . ملاك . الحمام . الخلود
البلابل . الزنابق .
ومن خلال التمعن في هذا الحشد الدلالي المتوازي
بين قطبي النص وأجنحته
نتلمس الغلبة لروح العطاء اللامحدود المغمّس بالتفاؤل والأمل بما هو قادم وأجمل
ولم تستطع كل مآسي الزمن
أن تثلّم حده أو تنال من عمقه
وحرارة مده الطاغية .
وأخيراً على مستوى الحرف:
الذي يعتبر العنصر الصوتي الأول في التأليف الكلامي
فنلمس انسيابية وتلون
الياء الممدودة ..
للنداء والخطاب والصراخ والندبة والإغاثة والتحذير والتحريض والفخر
وحتى الجلجلة أحيانًا .... !!
عبر جملة المعاني التي تنداح على مدار الأبيات بقافية
حققت الإمساك بالحالة النفسية المتفاعلة معها عبر
تواتر ملحوظ منح القصيدة جرساً موسيقياً لامس مشاعر القارئ بعمق وشفافية .
فتحية إعجاب وإجلال
للحرف الإنساني المحلق
نحو الكمال
لشاعر أبدع وتألق
بموزون النظم في المقال ..
.........
.لهذا سوف أحيا
---
للظّامئِ المُنهارِ أسكبُ مائيا
وعلى الّذي يَعرى أمدُّ غطائيا
ولمُشتكٍ حزنًا وقهرًا إنّني
أشدو بما يُنسي الكروبَ غنائيا
ولمن غزاهُ السُّقْمُ هادًّا جسمَهُ
أسقيهِ حتّى لا يخورَ دوائيا
وأنا إلى الجوعانِ أجري مسرعًا
فأبوسُهُ ولهُ أصبُّ غذائيا
ولتائهٍ تغتالُهُ أفكارُه
وتُريهِ ما يُشقي أُعيدُ ندائيا
ولشاعرٍ ساءتْ قوافيهِ أنا
أحنو عليهِ واهبًا إنشائيا
ولمن نما شوكٌ بأرضِ حياتِهِ
أمضي فيصبحُ عن أذاهُ نائيا
ولكارهٍ قمرَ الضّياءِ أقودُهُ
للضّوءِ تعشقُ عينُهُ أضوائيا
ولناشرٍ قُبْحًا يشوِّهُ جنّةً
إنّي أُريهِ كي يكُفَّ بهائيا
ولمن جرى دمُهُ وهُيّئَ قبرُهُ
أعطيهِ إنْ زادَ النّزيفُ دمائيا
يا أيّها المسحوقُ لا ترفضْ يديْ
وتعالَ نحوي سامعًا أنبائيا
خضتُ الصّحارى لمْ أهبْ حيّاتِها
ورفعتُ فوق ربى الودادِ لوائيا
ومسحتُ عن خطواتِ رجْليْ طينَها
وعلى جبالِ الفجرِ شِدتُ بنائيا
قلتُ : الحياةُ قصيدتي سأقولُها
عندَ الضُّحى وبها أَزينُ مسائيا
ما أعذبَ الأفواهَ تنطِقُ أحرفي
والدّهرُ يحضنُ باسمًا أشيائيا
إنّي تركتُ خمائليْ مفتوحةً
يرتادُ كلُّ معذَّبٍ أجوائيا
والنّارُ لن تكويْ أصابعَ راحتي
وزوابعٌ ليست تزيدُ عنائيا
فلقد هجرتُ كهوفَ خيباتي وقد
ودّعتُ قبْوَ كوارثي وبكائيا
الأرضُ ليْ وجميعُ ما أحببتُ ليْ
وغدًا سأدخلُ كالملاكِ سمائيا
طفلًا ظلِلتُ وكالحَمامِ سلكتُ في
دُنيايَ صُنتُ من الغبارِ ردائيا
وأنا لهذا سوف أحيا خالدًا
أنمو ولا شيءٌ يهُزُّ بقائيا
ومعي تعيشُ بلابلٌ وزنابقٌ
وبوجهِ ما يُدمي سأُطلِقُ لائيا
---
القس جوزيف إيليا
٧ / ١٢ / ٢٠٢٣
Madeeha Barawi مع القس جوزيف إيليا.
د ·
قراءة أدبيّة تحليليّة
لقصيدة الشّاعر
القس جوزيف إيليا
" لهذا سوف أحيا"
٧/١٢/٢٠٢٣
إنّي أراني في حضرة
" المخلِّص " ..
المثقل بأرتال وجع
يتربَّص ..
تلملمه يقظة الجود
فيتقلَّص
إنّ هذا يحدث عندما تسمو المشاعر والأحاسيس
وترتقي النّفس إلى أيقونات النواميس
وتبدو المواقف أكثر رسوخًا
فتتجلّى بنظرة ثاقبة
ورؤية شموليّة أعمق
ونبض شعاع دافق
يرتقي إلى عالم
ليس على الأرض
بل على صهوة بُراق يحلِّق
يحملنا إلى عوالم من النقاء
هناك في أعالي السماء
ليروي جفاف الواقع
المرير بالاستسقاء .
هذا مااستقرأته
وأنا بحضرة ناسك زاهد
لم يعتكف في صومعة للعبادة
بل عايش المصاعب والأزمات
التي تلاحقت وتزاحمت
في وطنه
على غير العادة .
ونالت من أهله وذويه
ومحبيه بل من كل
أبناء وطنه الغالي
فألهبت أحاسيسه
وأيقظت المشاعر
ودعته دون سابق إنذار
لولوج المزالق
واقتحام العوائق
وإطلاق عنان
باع طويل كريم
يحوطه نبض إنساني حميم
فاح في أرجاء
النشيد
عبر بناء هندسي
منظوم
وموزاييك نكهة
سايكولوجية الأبعاد
دلفت بثقة وسلام
تنسج بريق عنوان
جاذب مثير
بما يبثه من أثير
خرافي التأثير ..
" لهذا سوف أحيا "
مميز عنوان !!
جسد /العتبة / الفنية
التي نجح شاعرنا
بعالي حِرفية
في اعتمادها
كمدخل جاذب مثير
عبر بنية دلالية
لقصيدة منظومة
أخذت تتحرك برمتها
في نطاق رحب
من الفضاء الأدبي
ولا عجب
فقد لمّح من خلاله
لطول معاناة وحيرة
أوصلته لضالته
والسبب .
عبر بنية دلالية
جسدت بشفافية
كرم الغيث والرفد والسقيا
من شافي دواء وزخم نوال
يسبق السؤال
بنبل وأصالة موقف إنساني
لناسك يتضور وجعًا
مما يحيط به من سوء حال
- ظامئ منهار
- ومحزون غزاه السقم
- وجائع وتائه بين المحن :
" للظّامئِ المُنهارِ أسكبُ مائيا
وعلى الّذي يَعرى أمدُّ غطائيا
ولمُشتكٍ حزنًا وقهرًا
إنّني أشدو بما يُنسي
الكروبَ غنائيا
ولمن غزاهُ السُّقْمُ هادًّا جسمَهُ
أسقيهِ حتّى لا يخورَ دوائيا
وأنا إلى الجوعانِ أجري مسرعًا
فأبوسُهُ ولهُ أصبُّ غذائيا
ولتائهٍ تغتالُهُ أفكارُه
وتُريهِ مايُشقي أُعيدُ ندائيا"
ولتعميق الارتباط الوجداني العاطفي بينه وبين جميع أفراد مجتمعه
ولتبيان مدى انخراطه والتحامه
على المستوى الشعوري
جسد عمق معاناة الذات
مع كل أنواع وألوان المأساة المجتمعية التي تعيشها
جميع الفئات في وطنه
ونسج أجمل اللوحات الإنسانية التي تجسد مواقف أصيلة
في الإغاثة ومد يد العون والتضحية بالغالي والنفيس
سعياً لإنقاذ جميع المنكوبين
على أرض الوطن
فهناك من نمت الأشواك بدياره
ومن نفر من الضياء وركن للحلكة الدامسة المحيطة به
ومن شارف على الهلاك واستسلم له لن أبخل عليه بدمي ونبضي .
فهذا مبدئي في الحياة
مبادرة الإساءة بالحسنى
التي تزيدني تألقا وبهاء .
حتى مع من ملأ الحقد قلبه فشوّه مايحيط به من الجنان
وعاث فيها فساداً
" لمن نما شوكٌ بأرضِ حياتِهِ
أمضي فيصبحُ عن أذاهُ نائيا
ولكارهٍ قمرَ الضّياءِ أقودُهُ
للضّوءِ تعشقُ عينُهُ أضوائيا
ولناشرٍ قُبْحًا يشوِّهُ جنّةً
إنّي أُريهِ كي يكُفَّ بهائيا
ولمن جرى دمُهُ وهُيّئَ قبرُهُ
أعطيهِ إنْ زادَ النّزيفُ دمائيا"
وعلى المستوى السايكولوجي المتغلغل لما تحت الشعور الأنوي
تبدّت تطلعات روح تنعتق من إسارها نحو عوالمها الشاعرية لترتق الثقوب وتعالج الندوب
وتهب ماتملك على تلك الدروب ليعود عالم الشعر
إلى ماكان عليه من جمال وجلال وأصالة .
" ولشاعرٍ ساءتْ قوافيهِ أنا
أحنو عليهِ واهبًا إنشائيا"
وهاهي شعلة الحماس الوطني والإنساني تتوهج
لدى شاعرنا الكريم
فينتقل للغة خطاب مباشر
يجلجل الأصقاع
ويصدح مناديا بأعلى صوته
علّها تنصت له الأسماع
ويستجيب لندائه
وليَده الممدودة بالغوث والعطاء
كل مسحوق في بلاده
ويبلغ الحماس والاندفاع مداه وهو يعدد خصاله وفعاله ومناقبه التي يعتز ويفاخر بها
فهو البطل الصنديد
الذي يجتاز الصحارى والقفار
لايهاب وحوشها الضارية
ولا أفاعيها السامة
يجتازها بأمان
درعه الواقية
التي يرفعها بطمأنينة
راية الوداد والوئام
وبعد طول عناء
يشيّد بناء المحبة والسلام
بشعاع نور يرتكز
على سفوح الفجر
بعتاد منظومه وتبر قصائده
التي تمثل زخم الحياة الإنسانية الحقة
التي ينشرها بين العباد
صباح مساء
في كل واد :
" يا أيّها المسحوقُ لا ترفضْ يديْ
وتعالَ نحوي سامعًا أنبائيا
خضتُ الصّحارى لمْ أهبْ حيّاتِها
ورفعتُ فوق ربى الودادِ لوائيا
ومسحتُ عن خطواتِ رجْليْ طينَها
وعلى جبالِ الفجرِ شِدتُ بنائيا
قلتُ : الحياةُ قصيدتي سأقولُها
عندَ الضُّحى وبها أَزينُ مسائيا "
ويطلق الشاعر العنان
لجامح بنات الخيال السارحة في حَيّ وجدان
حاز الرضى عن الذات والكيان
فهاهي الأفواه التي انتشلها وأغاثها تلهج باسمه
وتبر حروفه وخمائله ومواقفه
التي لن تحرقها النيران
ولن تذروها العواصف الهوجاء
بل سيبتسم لها الزمان ويحفظها في ناصع الصفحات
ويحصنها ضد أقبية الصعاب والمحن والخيبات
على دروب الحياة :
"ما أعذبَ الأفواهَ تنطِقُ أحرفي
والدّهرُ يحضنُ باسمًا أشيائيا
إنّي تركتُ خمائليْ مفتوحةً
يرتادُ كلُّ معذَّبٍ أجوائيا
والنّارُ لن تكويْ أصابعَ راحتي
وزوابعٌ ليست تزيدُ عنائيا
فلقد هجرتُ كهوفَ خيباتي وقد
ودّعتُ قبْوَ كوارثي وبكائيا "
وختامها مسك كما يقال
فقد صال وجال شاعرنا
وأحرز السبق في ميدان البطولة لكريم الخصال والفعال
لقد امتلك الأرض وما عليها
ممن أحب
فهو الملاك الطاهر والطفل البريء وحمام السلام
الذي فتحت له السماء أبوابها لتحتضن كراماته النبيلة
التي ستحفظ وتخلد ذكراه
على طول الدهر
فهو النبيل الأصيل الذي يرعى البلابل والزنابق والزهور
وهو البطل الهمام الغيور
الذي لايسكت على الضيم
والعنف
بل تجاهر بالرفض
لاءاته الألف
بإنسانية جريئة مقدامة
وحق مواطَنة
لاتعرف المهادنة :
" الأرضُ ليْ وجميعُ ما أحببتُ ليْ
وغدًا سأدخلُ كالملاكِ سمائيا
طفلًا ظلِلتُ وكالحَمامِ سلكتُ في
دُنيايَ صُنتُ من الغبارِ ردائيا
وأنا لهذا سوف أحيا خالدًا
أنمو ولا شيءٌ يهُزُّ بقائيا
ومعي تعيشُ بلابلٌ وزنابقٌ
وبوجهِ مايُدمي سأُطلِقُ لائيا "
- غوص في خضم بحر النص :
لقد برع الشاعر بالتجديف
في بحر الشعر رغم تلاطم أمواجه نظرًا لامتلاكه القدرة على ترويض لغته وإخضاع المفردات والتراكيب لحالة أرقى تتجاوز المألوف والمتعارف
وبمجرد الانخراط في قراءته يطالعنا مايظهره الشاعر
من تماه مع محيطه الاجتماعي
وما يملكه من حس فني مرهف يسعفانه على الإبحار عبر تموجات اللغة الشعرية المتعددة المعاجم الدلالية ببراعة وإتقان يختار بعناية فائقة مفرداتها التعبيرية التي يتوالد عبرها معان ودلالات جديدة متشعبة تسعفه في الابتكار والتجدد باستمرار .
- هرمية النص في تشكيل الصورة الشعرية وتراكيبها اللفظية :
تميز النص في تشكيله
لأروع الصور الشعرية المشحونة بقوة إيحائية تسبر أغوار النفس وتوظف إيحاءاتها بأدوات تعبيرية ورؤية شعرية تحمل في طياتها توقعات مستقبلية في طور التشكل والانبعاث من رماد واقع مرير تردفه قدرات ثقافية مرموقة نهلت من نبع الأدب حديثه وقديمه حد الارتواء ماأكسبه فكرا يتسم بالجدة والأصالة والقدرة على المزاوجة بينهما
في تشكيل الصور الشعرية بانسيابية وخطوط متوازية تحرص على نقل القارئ عبر تماوجات صور ذهنية تحقق تآلفا بين الحسي والرمزي المعنوي في الشكل
والمضمون إلى الحد الذي يولّد الاندهاش لدى القارئ أحيانًا باللغة الاستعارية
وفضاءاتها والمشاعر المشحونة بالألم والقهر والجوع والانسحاق والتي خيمت على بعض أجنحة النص حيناً وشطحات تطلعاته الإنسانية الجامحة التي خيمت على أجنحة النص حينا آخر
من كرم وجود باذخ حد الترف وعطاء تمده إنسانية شاعر يضحي بالغالي والنفيس ويقدم كل مايملك لأخيه الإنسان لينتشله من المحن والهلاك .
- البناء النظمي والمستوى الصوتي في النص :
بالنسبة للبناء النظمي للقصيدة على مستوى جمالية اللغة الشعرية نجد بناءً وزنيًّا مميزًا يعكس الرتم الإيقاعي الذي تعزفه القصيدة ككل والذي يتحقق بطريقة الإيقاع الخارجي ثم الداخلي
في أتون نص فراهيدي الوزن حداثي الصياغة والمعاني
ذو بعد نفسي وجداني ونكهة فلسفية بأطيافها الإنسانية
المحكمة شعرياً
بأسلوب يستفز ذائقة المتلقي ويحفز لديه حب الاطلاع
لينخرط في متن
رؤية شعرية حياتية تحمل هماً مجتمعياً إنسانياً سامي الهدف بعمق وشمولية
رسم الشاعر لوحاته الشعرية بتوظيف مفردات مستقاة
من حقول دلالية متعددة تؤكد موهبته الأصيلة الغنية
حيث نلحظ رصد مفردات
وعبارات منسجمة متناغمة السياق على طول بساط المتن
من معجمه العاطفي الوجداني المفعم بالمعاناة
والمؤمن يقيناً بالمخلص الذي
تقمصه ليشعل فتيل الأمل
بغد أجمل وأفضل
ويمكننا تلمس النمط الإيقاعي المزدوج من خلال عنصرين هيمنا على مقاطع القصيدة بشكل واضح وهما التوازي بين المعاناة والخلاص
والتكرار في كل منهما
للتأكيد وتثبيت الفكرة في الأذهان على كل منهما
وعلى أهمية دوره
في الحياة كمخلص ومنقذ :
حيث كرس مفردات
"المعاناة :
الظامئ . المنهار . الحزن . القهر . الكرب . السقم . الجوع . الاغتيال . الشقاء . الشوك . الأذى . الكاره . القبح . التشويه
النزيف . جريان الدم . المسحوق . النار تكوي الأصابع .
الزوابع . الهجر . القبو .
وبالتوازي والمقابل
فقد تكررت مفردات الخلاص
وجذوة المخلص :
سكب الماء . مد الغطاء . الغناء.
الدواء . الغذاء . أبوس . أهب .
الأضواء . البهاء . الزاد . اليد الممدودة . الوداد . الفجر . البناء . يزين . يحضن . باسما .
خمائل . ملاك . الحمام . الخلود
البلابل . الزنابق .
ومن خلال التمعن في هذا الحشد الدلالي المتوازي
بين قطبي النص وأجنحته
نتلمس الغلبة لروح العطاء اللامحدود المغمّس بالتفاؤل والأمل بما هو قادم وأجمل
ولم تستطع كل مآسي الزمن
أن تثلّم حده أو تنال من عمقه
وحرارة مده الطاغية .
وأخيراً على مستوى الحرف:
الذي يعتبر العنصر الصوتي الأول في التأليف الكلامي
فنلمس انسيابية وتلون
الياء الممدودة ..
للنداء والخطاب والصراخ والندبة والإغاثة والتحذير والتحريض والفخر
وحتى الجلجلة أحيانًا .... !!
عبر جملة المعاني التي تنداح على مدار الأبيات بقافية
حققت الإمساك بالحالة النفسية المتفاعلة معها عبر
تواتر ملحوظ منح القصيدة جرساً موسيقياً لامس مشاعر القارئ بعمق وشفافية .
فتحية إعجاب وإجلال
للحرف الإنساني المحلق
نحو الكمال
لشاعر أبدع وتألق
بموزون النظم في المقال ..
.........
.لهذا سوف أحيا
---
للظّامئِ المُنهارِ أسكبُ مائيا
وعلى الّذي يَعرى أمدُّ غطائيا
ولمُشتكٍ حزنًا وقهرًا إنّني
أشدو بما يُنسي الكروبَ غنائيا
ولمن غزاهُ السُّقْمُ هادًّا جسمَهُ
أسقيهِ حتّى لا يخورَ دوائيا
وأنا إلى الجوعانِ أجري مسرعًا
فأبوسُهُ ولهُ أصبُّ غذائيا
ولتائهٍ تغتالُهُ أفكارُه
وتُريهِ ما يُشقي أُعيدُ ندائيا
ولشاعرٍ ساءتْ قوافيهِ أنا
أحنو عليهِ واهبًا إنشائيا
ولمن نما شوكٌ بأرضِ حياتِهِ
أمضي فيصبحُ عن أذاهُ نائيا
ولكارهٍ قمرَ الضّياءِ أقودُهُ
للضّوءِ تعشقُ عينُهُ أضوائيا
ولناشرٍ قُبْحًا يشوِّهُ جنّةً
إنّي أُريهِ كي يكُفَّ بهائيا
ولمن جرى دمُهُ وهُيّئَ قبرُهُ
أعطيهِ إنْ زادَ النّزيفُ دمائيا
يا أيّها المسحوقُ لا ترفضْ يديْ
وتعالَ نحوي سامعًا أنبائيا
خضتُ الصّحارى لمْ أهبْ حيّاتِها
ورفعتُ فوق ربى الودادِ لوائيا
ومسحتُ عن خطواتِ رجْليْ طينَها
وعلى جبالِ الفجرِ شِدتُ بنائيا
قلتُ : الحياةُ قصيدتي سأقولُها
عندَ الضُّحى وبها أَزينُ مسائيا
ما أعذبَ الأفواهَ تنطِقُ أحرفي
والدّهرُ يحضنُ باسمًا أشيائيا
إنّي تركتُ خمائليْ مفتوحةً
يرتادُ كلُّ معذَّبٍ أجوائيا
والنّارُ لن تكويْ أصابعَ راحتي
وزوابعٌ ليست تزيدُ عنائيا
فلقد هجرتُ كهوفَ خيباتي وقد
ودّعتُ قبْوَ كوارثي وبكائيا
الأرضُ ليْ وجميعُ ما أحببتُ ليْ
وغدًا سأدخلُ كالملاكِ سمائيا
طفلًا ظلِلتُ وكالحَمامِ سلكتُ في
دُنيايَ صُنتُ من الغبارِ ردائيا
وأنا لهذا سوف أحيا خالدًا
أنمو ولا شيءٌ يهُزُّ بقائيا
ومعي تعيشُ بلابلٌ وزنابقٌ
وبوجهِ ما يُدمي سأُطلِقُ لائيا
---
القس جوزيف إيليا
٧ / ١٢ / ٢٠٢٣