×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

حوار مع الشاعر السوري توفيق أحمد حاورتْهُ: مديحة باراوي

حوار مع الشاعر السوري توفيق أحمد حاورتْهُ: مديحة باراوي
 حوار مع الشاعر السوري توفيق أحمد
حاورتْهُ: مديحة باراوي
لقد التقيتُ خلال حياتي المهنيّة والاغترابية في سورية والإمارات العربية المتحدة وألمانيا وغيرها من مدن العالم شخصياتٍ أدبيةً وفكريةً وصحفيةً كثيرةً... ولكنني هذه المرة أُجري حواراً خاصاً مع شاعرٍ مرموق.. شفّاف ـ جريء صاحب تجربة طويلة مع الأدب وفنونه وخصوصاً الشِّعْرَ.. ورغم أنه شديد الانشغال استطعتُ أَنْ نصل إلى اتفاقٍ ودّيٍّ شاعريٍّ نبيل لإجراء هذا الحوار..
وتوفيق أحمد ألّف حتى الآن أكثر من عَشْر مجموعاتٍ شعريّة...
تنوّعت بين الكلاسيكي العمودي المُقفّى ذي الشطرين وشعر التفعيلة (الحُرّ) وقصيدة النثر، وكَتَبَ الكثيرَ الكثيرَ من المقالات والزوايا الأدبية ونشرها في عددٍ كبيرٍ من الصحف والمجلّات...
والتجربةُ هنا تجربتان.. فكما هو شاعر؛ فهو أيضاً ذو سيرةٍ ذاتيةٍ غنيّةٍ بالإعلام والأدب والسياسة وشؤون الحياة.
وقد تمَّ تأليف عدد من الكتب النقدية عن تجربته الشِّعرية الطويلة والغنيّة منها:
1ـ "حارسُ الحبق" قراءةٌ في تجلّيات خطاب العشق في شعر توفيق أحمد، وهو من تأليف الأستاذ الدكتور الناقد هايل محمد الطالب... وقد تمت طباعتُهُ عدةَ طبعات.
2ـ كتاب "الصورة الشعرية؛ توفيق أحمد أنموذجاً" من تأليف الناقد والشاعر والباحث الدكتور عبد الله الشاهر.
3ـ كتاب (توفيق أحمد؛ البحث عن أُفُق) للباحث والناقد الحَلَبي محمد جمعة حماده.
4ـ كتابُ (ما وراء الغياب في شعر توفيق أحمد) تأليف الناقد الشاب محمد شريف سلمون.
5ـ كتاب فارس وتخوم من إعداد مرهف زينو وعمر جمعة ونسَّقَ طَبْعَتهُ الثالثة وأعاد تصنيفَها هايل محمد الطالب وأوس أحمد أسعد.
وهو كتاب يضمّ مختارات من عدد كبير من الدراسات النقديه التي تمَّ تأليفُها ونشرها في عدد من الصحف والدوريّات السورية والعربية عن تجربة الشاعر توفيق أحمد، وقد تم الانتهاء ـ هذه الأيام ـ من إنجاز طبعتين جديدتين من الكتاب مُنَقَّحَتين معدّلتين، واحدة في العراق، والثانية في سورية، وهذه الطبعة هي الطبعة الثالثة من هذا الكتاب علماً أن الطبعة الأولى كانت في عام ٢٠١٤ وصدرت عن الهيئة العامة السورية للكتاب التابعة لوزارة الثقافة السورية.
لذلك أيها القراء الأعزاء أعتقد أنني ألتقي مع أديب وشاعر له باعُهُ الطويل في التأليف والنشر وصيانة رسالة الأدب النبيلة...
ألتقي اليوم مع الشاعر توفيق أحمد نائب رئيس اتحاد الكتاب العرب في سورية ورئيس تحرير صحيفة الأسبوع الأدبي.
ما جدوى الشعر في هذا الزمن الذي يصفه المثقفون بـ(الزمن الرديء)؟
الشّعْرُ كرسالةٍ أخلاقيةٍ وحضاريةٍ وإنسانية هو ضدُّ الرداءة. وأعتقد أنّك تقصدين رداءة وقائعِ الحياة وتقلّباتِها وخيباتِها وشقائِها الذي يزيد يوماً بَعْدَ يوم.. لذلك تصبح هنا مسؤوليةُ المثقف أو الكاتب أو الشاعر أكبرَ بكثير بحيث تجب عليه المواجَهةُ البنّاءَةُ من خلال صنوف المعرفةِ وذلك للتخفيف من حِدَّةِ الوجع العامّ والخاص ومن أجل أن نبقى نحاول لِأَنْ تكونَ الأيامُ أحلى بكُلِّ ما يستطيعُهُ الشاعرُ من إمكانيات.. إذاً الشِّعرُ رسالةٌ في كلِّ الحقب والعصور حتى في كُلِّ أجناسه بمعنى: شعر المديح والهجاء والمناسبات وغير ذلك، لأن القصيدة التي يكتبُها شاعرٌ واعٍ ناضجٌ متمكنٌ من ثقافة المجتمع وثقافةِ آليات كتابة الشِّعر يمكن أن تحمل في طياتها وبين سطورها كُلَّ ما يَجبُ أن يُقال من أجل الإصلاح والبناء والفرح وطرح الأسئلة الضرورية.
ما هي علاقة الشعر بالحُلُم؟
الحُلُم والشِّعر صِنْوان ورفيقان وتَحْكُمُهما الضرورةُ النفسيَّةُ والفيزيولوجية للشاعر والحياتية أيضاً..
الحُلُم هو صهوةٌ من غيم في زمن اليباب، والشّعر مفتاحُ الدخول إلى الأبواب المُقفَلة، وهو دمعةٌ على كُلِّ جفن، كما أنه ابتسامةٌ على كُلِّ شفةٍ، والشعر خفقان القلب؛ وزُلالُ الماء، وكرامةُ الوفاء، وهو اليقينُ بأننا بالأحلام نَصْنَعُ كُلَّ ما هو جميل، والشِّعْرُ امرأةُ الفوضى، وانتظامُ الأنثى، وهو تَعَبٌ وعَتَبٌ.. وهو أيضاً الفضاءُ الأرْحَبُ للضمائر النظيفةِ اليَقظة.
أيضاً ما هي علاقة الشعر بالشَّقاء؟
الشقاء وحدَهُ لا يصنَعُ الإبداع، الشقاءُ المُرّ باعتقادي يشكِّلُ إرادةً أكثرَ صلابةً وقوَةً وحيويةً لمن يمتلكُ موهبةَ كتابة الشعر.... بالنسبة لي الآن أكتب أثناء السعادة أكثر من فترات الشقاء.. فعلاً واجهتُ في طفولتي البؤسَ الوحشيَّ ولكنْ لأنني كنتُ قد بدأتُ أمتلئُ بالشِّعر أَعانني على المواجهَة.. أعانني على أن أكون إنساناً ذا توجُّهٍ مُحَدَّدٍ، ولو كان خاسراً من ناحيةِ الحصول على القدرات الماديةِ لملئ فراغات الفقر... أَخْسَرُ هنا وأحلُمُ أنني سأغتني هناك.. معادَلةٌ تفرضها الحياة والرؤى والضرورات.
■ كَتَبْتَ الأشكال الشعرية كُلّها... وهذا ما يُسمّى بالتجريب المستمرّ.. ما هو الشكل الكتابيُّ الأقرب إليك؟
في الثانية عشرة حتى السابعة عشرة من عمري كتبتُ الشعرَ العمودي، وما بين السابعة عشرة والثانية والعشرين كَتَبتُ قصيدة النثر إضافة إلى التفعلية والعمود...
أما هذه الأيام فأجد أنّه عندي ميلٌ شديد لكتابة قصدة النثر... وإذا أعانتني الأيام سأُصدر في الأشهر القادمة ديواناً جديداً نثرياً يتضمن تصوَّراتي في الحبّ والحياة... كما أنني أعتقد أنه لا يُشبُه غيرَهُ مما كُتب ويتمتّع بهويّة خاصّةٍ أرجو أَنْ تلقى صداها المعرفي الأدبي عند الناس.
كما أسلفتُ في المقدِّمة فقد تَمَّ تأليفُ عددٍ من الكتب النقدية عن تجربتك الشعرية الطويلة إضافة إلى عدد هام من رسائل الماجستير والدكتوراه لطلاب درسوا أشعارك.. ماذا تقول في ذلك؟؟؟
■■ النقد مُثلُهُ مثلُ كُلِّ فنونِ الإبداع الأخرى يحتاج إلى مزيدٍ من عُمْقِ القراءة والتعايش إلى حدود بعيدة مع قصيدة الشاعر أو أي نصّ آخر.... ويحتاج إلى إقناع الكاتب بأنّه استطاع أنْ يصل إلى المخبوءات في ذات المبدع... مع اتفاقنا جميعاً على أنَّ للنصوص تآويل كثيرة... ولكن على الناقد أن يَبْرُزَ ككائنٍ ذي سلطةٍ معرفيةٍ فائقةٍ في الولوج إلى عوالم المبدعين.
■ شاركت في كثير من المهرجانات في الوطن العربي ما رأيك بالمهرجانات بشكل عام؟؟
■■ هي ضروريةُ جداً... فيها تفاعل وتثاقف، وامتداد علاقات أدبية معرفية تثري الجَوَّ العام.. ولكنني لم أحضر مهرجاناً إلاّ وعليه الكثير من الملاحظات من حيث استضافة غير المبدعين، وربما أحياناً مَنْ ليس له أية علاقة بالشعر.. مع ذلك قد يكون بعض هذا السلوك مطلوباً ولكن ليس إلى درجةِ احتقار وابتذال الإبداع.
■ لديك برنامج شعري إذاعي تَبُثُّ فِيْه حلقةً كلَّ يوم من اختياراتك الشعرية السورية والعربية وتقرؤه بصوتِك الرخيم الذي أصبح علامةً فارقةً في تاريخ قراءة الشّعر.. حَدِّثْنا عن ذلك.
صحيح، لقد أنْجَزتُ من هذا البرنامج حتى الآن أكثر من سبعةِ آلاف وخمسمئةِ حلقة... وقرأت في هذا البرنامج آلاف الكتب للآلاف أو المئات من الشعراء في سورية والوطن العربي والشّعر المُتَرْجم...
وأصبح موجوداً بشكل واسع لأنني أُرسِلُه لمن أقرأ لهم صوتياً عبر الواتس والوسائل الأخرى وهُمْ يوزّعونه بالشكل الذي يريدونه.
وأشعر بمتعةٍ حقيقية في الاستمرار بإنجاز هذا البرنامج لأنَّ روحي ذائبة فيما يُسمّى الشِّعْر.. إضافةً إلى أنني أُتْقِنُ فنونَ الإلقاء باعتبار صفة عملي الإعلامية الأساسية هي أنني مذيع ومقدِّم برامج منذ عام 1987، وحتى الآن ما زلت مستمراً كمذيع ومقدم برامج من خلال برنامجي اليومي الذي نتحدث عنه وعنوانُه (أحلى كلام).
■ هل نَدِمتَ على أشعار أو أفكار كَتَبْتَها في أيّام سابقةٍ ومحوتَها أو لم تستثمرها في أشعارك؟؟
نعم هذا حصل كثيراً.. ولا أُريد الدخول في التفاصيل ولكنني أنصحُ الجميع باستثمار جميع ما تُمليه القريحةُ من أفكار وعدم الخوف من جميع أجهزةِ الرقابة المجتمعية والموروثة وغيرها من الرقابات الآنيّة.. شرط أن لا يتمَّ إيذاء وجَرْح مشاعر الناس.
■ ما رأيك بما يُنشر في المنابر الثقافية الخاصة الكثيرة على الشابكة...
هي ضرورية؛ لإفساح المجال لجميع الطاقات بأن تأخذ دورها في الوصول إلى الناس ولكنني لا أكون سعيداً عندما أرى تعليقات ومدائح ليست في محلّها... ويجب على القيّمين على هذه المنابر أَنْ يعلموا أنّ الناس ترى وتعرف وتقيِّم.. والذي يُبنى على الباطل سينتهي إلى الباطل...
مطلوب النّبل والشجاعة والرأي الشفّاف والابتعاد عن الابتزاز والابتذال ودعم المواهب والإمكانات المُبْدعة إلى أبعد حَدّ.