رؤوف حدو - قراءة في نص "طعنة الذاكرة" للأديبة رولا العمري
القراءة:
دبلوبيا المشهد القصصي بشخصية ماتريوشكية وتناص عكسي في قصة "طعنة الذاكرة".
يصرح لنا النص من بدايته بوجود ألم ما جاء نتاج عملية انضدادية، تحول إثر اكتساح خارجي، زودت إذاك الذاكرة بالحديد والنار لتسن ماتطعن به نفسها كل حين، إذن طعنة الذاكرة هي عملية استنطاقية لها، تنتهي حتما بطعنة غير قاتلة أشبه باستعراض عضلات، في انتظار جولات أخرى تمارس نفس الطقس الوحشي، تعيد ترتيب المشاهد التي قد تبدو واحدة أول مرة لكن ماتلبث أن تنقسم لمشهدين برؤية مزدوجة diplopia
الشخصية ليست واحدة وإن بدت كذلك هي أشبه بدمى روسيةmatriochkas نفس الملامح مع أن العمر مختلف، والجرح واحد والطعنة تأتي بنفس العنف كل مرة.
فعل الاغتصاب تكرر مرات عديدة: جلست تراقب في العتمة، ليست المرة الأولى وليس التحرش الأول كما حدث في قصة سيدنا يوسف(امرأة العزيز تراود فتاه عن نفسه) ( وإن لم يفعل ما آمرنه..)، هي تعلم من وراء الباب، هو زائر الليل، لاتملك شيئا إلا الدعاء: غطتْ وجهها ودعت أن يذهب. كما دعا سيدنا يوسف عليه السلام ربه(قالَ رَبِّ السِّجنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدعونَني إِلَيهِ وَإِلّا تَصرِف عَنّي كَيدَهُنَّ أَصبُ إِلَيهِنَّ وَأَكُن مِنَ الجاهِلينَ)
قواسم مشتركة بينهما: لاحول ولاقوة لهما.
كان خادم امرأة العزيز، وكانت خادمته، راودته، وراودها مع أن ميزان القوة يختلف، يملك الرجل المغتصب هنا مالم تمتلكه امرأة العزيز، ولكن الفعل واحد يمارس من قوي ضد ضعيف لايملك إلا الدعاء.
أقوى جملة في القصة: تناولت مشطها عن الطاولة المجاورة ، ضربته حتى وقع عن السرير،هل تملك المشط هذه القوة لتسقط رجلا بجبرته؟، نعم وسيتحول مشط البراءة لسلاح منقذ، أ هو فعل الدعاء مااستقوى به؟ ربما.
يتكرر مشهد النبي يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز، يقد ثوبها من دبر، تلاحق، تهرب، يلعب الباب هنا دور المنقذ وقد كان بداية القصة أشبه بفم التنين.
يتحرك القفل، ليس كما تحرك قبلا، في الأول تحرك قلبها معه خوفا والآن يتحرك أملا، الأمل في النجاة، و ذا ماكان.
تحولت المرأة لمنقذ، كما العزيز مع يوسف عليه السلام.
ماذا بعد؟ هو لم يكن إلا مشهدا من فيلم، بل مشهدا من حياة، لم يمثل بل أعيد بنفس كمية الأدرينالين الذي أفرزت واقعا، ليظهر أمامنا المشهدان ونحن نتساءل: لماذا نرى الصورة صورتين؟ هل نحن مصابون بالدبلوبيا؟ لا هي دبلوبيا لمشهد قصصي واحد يحيلك للإحساس بعاهة رؤية لترى عاهة مجتمعية.
وماذا بعد التمثيل؟ هي تكبر، وملامحها تتغير لكن الوجع واحد يكبر معها، وكل ماتقدمت في العمر يصبح وجعها نسخة مكبرة عما كان عليه، بمايشبه دمى روسية تشابهت في كل شيء برغم أحجامها المختلفة.
رؤوف حدو
***
- طعنة الذاكرة
جلست تراقب في العتمة، لا شيء يلمع سوى يد الباب النحاسية التي تتحرك لأعلى وأسفل، غطتْ وجهها ودعت أن يذهب، أنزلت يديها المرتعشتين، وإذا بأنفه يرتطم بوجهها، و عينيه التقت بعينيها، لم تستطع التنفس، كادت تختنق خوفا، أغلقت عينيها، و تمتمتْ، نظرتْ مرة أخرى، لم تجده، عادت وتمددت بسريرها، وإذا بيديه تطوق جسدها النحيل، ورائحته النتنة، تزكم أنفها، حرّكت قدميها بقوة ولكنها لم تفلح، تناولت مشطها عن الطاولة المجاورة ، ضربته حتى وقع عن السرير، همت بالهروب، خطت خطوتين، أمسك بذيل ثوبها، يشدُه نحوه، حاولَتْ الوصول لباب الغرفة، نجت بثوب ممزق وقدمين مكشوفتين، لم تكترث وراحت تبحث عن سيدتها، تجوب المكان حول البركة التي تتوسط المنزل، لم تجدها، توجهت لباب المنزل للخروج، لمحته يحاول الوصول، أمسكت بيد الباب لتفتحه، ولكن بلا فائدة فالباب مقفل،
أصبح خلفها؛ تَحرَّكَ المفتاح في الباب وإذا به يفتح و السيدة تدخل، في تلك اللحظة التقت عيني الزوج بزوجته، صرخت صرخة الناجي من الغرق، و ألقت بجسدها النحيل عليها، ساد الهدوء، صوت من الخلف يصرخ، كاااات"، أخيرا أتقنتم تمثيل المشهد ولا حاجة لإعادته" صفق الجميع بحرارة، إلا أن هناك طفلة ظلت تصرخ في داخلها، تصحو على يد تتلمس جسدها الغض، يعيد عقلها كتابة المشهد بلا
حذف لكل تفاصيل طفولتها المغتالة.
رولا العمري_الأردن
-------------------------
* نص (طعنة الذاكرة) للأديبة رولا العمري الحائز على المركز الأول في مسابقة الأقصوصة :
دبلوبيا المشهد القصصي بشخصية ماتريوشكية وتناص عكسي في قصة "طعنة الذاكرة".
يصرح لنا النص من بدايته بوجود ألم ما جاء نتاج عملية انضدادية، تحول إثر اكتساح خارجي، زودت إذاك الذاكرة بالحديد والنار لتسن ماتطعن به نفسها كل حين، إذن طعنة الذاكرة هي عملية استنطاقية لها، تنتهي حتما بطعنة غير قاتلة أشبه باستعراض عضلات، في انتظار جولات أخرى تمارس نفس الطقس الوحشي، تعيد ترتيب المشاهد التي قد تبدو واحدة أول مرة لكن ماتلبث أن تنقسم لمشهدين برؤية مزدوجة diplopia
الشخصية ليست واحدة وإن بدت كذلك هي أشبه بدمى روسيةmatriochkas نفس الملامح مع أن العمر مختلف، والجرح واحد والطعنة تأتي بنفس العنف كل مرة.
فعل الاغتصاب تكرر مرات عديدة: جلست تراقب في العتمة، ليست المرة الأولى وليس التحرش الأول كما حدث في قصة سيدنا يوسف(امرأة العزيز تراود فتاه عن نفسه) ( وإن لم يفعل ما آمرنه..)، هي تعلم من وراء الباب، هو زائر الليل، لاتملك شيئا إلا الدعاء: غطتْ وجهها ودعت أن يذهب. كما دعا سيدنا يوسف عليه السلام ربه(قالَ رَبِّ السِّجنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدعونَني إِلَيهِ وَإِلّا تَصرِف عَنّي كَيدَهُنَّ أَصبُ إِلَيهِنَّ وَأَكُن مِنَ الجاهِلينَ)
قواسم مشتركة بينهما: لاحول ولاقوة لهما.
كان خادم امرأة العزيز، وكانت خادمته، راودته، وراودها مع أن ميزان القوة يختلف، يملك الرجل المغتصب هنا مالم تمتلكه امرأة العزيز، ولكن الفعل واحد يمارس من قوي ضد ضعيف لايملك إلا الدعاء.
أقوى جملة في القصة: تناولت مشطها عن الطاولة المجاورة ، ضربته حتى وقع عن السرير،هل تملك المشط هذه القوة لتسقط رجلا بجبرته؟، نعم وسيتحول مشط البراءة لسلاح منقذ، أ هو فعل الدعاء مااستقوى به؟ ربما.
يتكرر مشهد النبي يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز، يقد ثوبها من دبر، تلاحق، تهرب، يلعب الباب هنا دور المنقذ وقد كان بداية القصة أشبه بفم التنين.
يتحرك القفل، ليس كما تحرك قبلا، في الأول تحرك قلبها معه خوفا والآن يتحرك أملا، الأمل في النجاة، و ذا ماكان.
تحولت المرأة لمنقذ، كما العزيز مع يوسف عليه السلام.
ماذا بعد؟ هو لم يكن إلا مشهدا من فيلم، بل مشهدا من حياة، لم يمثل بل أعيد بنفس كمية الأدرينالين الذي أفرزت واقعا، ليظهر أمامنا المشهدان ونحن نتساءل: لماذا نرى الصورة صورتين؟ هل نحن مصابون بالدبلوبيا؟ لا هي دبلوبيا لمشهد قصصي واحد يحيلك للإحساس بعاهة رؤية لترى عاهة مجتمعية.
وماذا بعد التمثيل؟ هي تكبر، وملامحها تتغير لكن الوجع واحد يكبر معها، وكل ماتقدمت في العمر يصبح وجعها نسخة مكبرة عما كان عليه، بمايشبه دمى روسية تشابهت في كل شيء برغم أحجامها المختلفة.
رؤوف حدو
***
- طعنة الذاكرة
جلست تراقب في العتمة، لا شيء يلمع سوى يد الباب النحاسية التي تتحرك لأعلى وأسفل، غطتْ وجهها ودعت أن يذهب، أنزلت يديها المرتعشتين، وإذا بأنفه يرتطم بوجهها، و عينيه التقت بعينيها، لم تستطع التنفس، كادت تختنق خوفا، أغلقت عينيها، و تمتمتْ، نظرتْ مرة أخرى، لم تجده، عادت وتمددت بسريرها، وإذا بيديه تطوق جسدها النحيل، ورائحته النتنة، تزكم أنفها، حرّكت قدميها بقوة ولكنها لم تفلح، تناولت مشطها عن الطاولة المجاورة ، ضربته حتى وقع عن السرير، همت بالهروب، خطت خطوتين، أمسك بذيل ثوبها، يشدُه نحوه، حاولَتْ الوصول لباب الغرفة، نجت بثوب ممزق وقدمين مكشوفتين، لم تكترث وراحت تبحث عن سيدتها، تجوب المكان حول البركة التي تتوسط المنزل، لم تجدها، توجهت لباب المنزل للخروج، لمحته يحاول الوصول، أمسكت بيد الباب لتفتحه، ولكن بلا فائدة فالباب مقفل،
أصبح خلفها؛ تَحرَّكَ المفتاح في الباب وإذا به يفتح و السيدة تدخل، في تلك اللحظة التقت عيني الزوج بزوجته، صرخت صرخة الناجي من الغرق، و ألقت بجسدها النحيل عليها، ساد الهدوء، صوت من الخلف يصرخ، كاااات"، أخيرا أتقنتم تمثيل المشهد ولا حاجة لإعادته" صفق الجميع بحرارة، إلا أن هناك طفلة ظلت تصرخ في داخلها، تصحو على يد تتلمس جسدها الغض، يعيد عقلها كتابة المشهد بلا
حذف لكل تفاصيل طفولتها المغتالة.
رولا العمري_الأردن
-------------------------
* نص (طعنة الذاكرة) للأديبة رولا العمري الحائز على المركز الأول في مسابقة الأقصوصة :