×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

Hanan Shahin اتذكر أنني من عشر سنوات كنت سيدة مسنة ارتدي الجلباب الأسود و النقاب الأسود ‘

Hanan Shahin اتذكر أنني من عشر سنوات كنت سيدة مسنة ارتدي الجلباب الأسود و النقاب الأسود ‘
 Hanan Shahin
اتذكر أنني من عشر سنوات كنت سيدة مسنة ارتدي الجلباب الأسود و النقاب الأسود ‘ كان الشيب يزحف إلى قلبي ‘ و روحي ‘ كنت مدبرة عن الحياة مقبلة على الموت ‘ لا أمل اتشبث به ‘ لا حلم أسعى لتحقيقه ‘ لا غد انتظره ‘ كنت مدمرة كليا لا أفكر الا في الانتحار و انهاء حياتي التى لا قيمة لها
ثم ذات نوبة يأس فى إحدى ليالي شهر يناير اتخذت القرار بالفعل و بدأت بتنفيذه دون أسف او تردد كتبت رسالة لأمي و و اخرى لاخواتي الذين اعلم حجم فجيعتهم لما سوف افعله بنفسي
لم افكر في ابتلاع أقراص المهديء التي كنت اتعطاها بالفعل و كان ما زال معي علبة كاملة لكنني لم اكن اريد ان اسلم روحي بهذه الطريقة مستلقية وحيدة علي فراش بارد حتى يتوقف قلبي و يتجمد الدم في عروقي كذلك لم افكر في قطع شرياني فانا لا أحب منظر الدم
صرت أفكر في الطريقة التي سأنهي بها حياتي لم يكن يهمني حجم الألم بل يهمني انني أخيرا اتخذت قرارا في حياتي التي لم اتمكن ان اتخذ فيها قرارا و انفذه
لم يطل تفكيري حتي قررت اني سألقي بجسدي من أعلى سطح بيتي المكون من خمس طوابق و الذي طالما كتمت جدرانه صوت أنيني كل ما علي الان أن أصعد إلى الأعلي حيث لا شيء سواي سأنظر إلى السماء للمرة الاخيرة و ستنظر إلى هي مظلمة الأن كما قلبي سأفتح ذراعي سألقي بجسدي في الهواء لطالما احببت التحليق كنت دوما اراه الشيء الذي يليق بروحي وقفت على الحافة استرجع ما مر بي من صدمات و اخفاقات يتراءي لي وجه أمي الطيب و أثار مخالب الزمن بادية عليه ‘ صوتها المهتريء و هي تجهش بالبكاء من هول الفجيعة لكن لا بأس سياتي اليوم و يهدأ الحزن و تستمر الحياة كعادتها و ستشرق الشمس و تنطلق القطارات و سيحتفل الأطفال بالعيد لن ينقص من الكون شيئا يذكر انه قطار الحياة لا يتوقف لموت أحد .
اعتليت كرسيا خشبيا طالما جلست عليه أبكي و أستجدي رحمة لم تدركني حتى تلك اللحظة وضعته بجوار سور سطح البيت و نظرت للسماء و عيناي تفيضان بالدمع و اللوم و الغضب لطالما كانت سماءا مظلمة و قاسية لا تعبأ بي و لا بحزني لا تنصت لأنيني و توسلاتي التي لم تنقطع يوما .
أخر امنياتي أن يكون هذا الجزء من الثانية التي سيستغرقها هبوطي و ارتطامي بالارض اكثر حنوا , ان تكون لحظة رحبة و فقط تمنيت لو اني علي سطح ناطحة سحاب لاستغرق وقتا أطول ‘ تمنيت لو اني أسقط من تلك السماء القاسية الى سماء أخرى اكثر حنوا
حلمت بفجوة زمنية انفذ اليها عبر تلك اللحظة
في هذه اللحظة رن جرس هاتفي الذي وضعته في جيبي بعد ان أضاء لي طريق الوصول عبر درجات السلم المظلم فقد كانت الكهرباء مقطوعة ليكتمل المشهد في ليلة كانت
الأكثر اظلاما و ضيقا
من تراه المتصل بي في تلك اللحظة الفارقة بين الحياة و الموت
اتراها السماء عدلت عن موقفها مني أهو المزيد من الحزن ؟
اتراه هاتفي الذي رافقني طويلا و شهد على ألمي المكتوم في صدري ليلا و نهارا قد تقمص روح انسان و شعر بما انا فيه ؟
كان مازال امامي لحظة أنظر فيها و أعرف من المتصل في تلك اللحظة
لحظة واحدة قد تكون فارقة بين الحياة و الموت
لحظة صمت ثقيلة طويلة باردة
لحظة واحدة تمتد فيها يدي الى جيبي
و اعرف من المتصل بي في هذه الساعة المتأخرة من الليل على غير العادة
بصوت يابس مرتجف قلت من ؟
كان صوتها حانيا هادئا :
--- انا يا حنان
--- دا مش رقمك
--- رصيدي خلص و دا رقم جوزي
مال صوتك يا حبيبتي ؟ لم أجبها و انما سألتها
--- ايه اللي خلاك تطلبيني الساعة دي ؟
--- نمت بدري كالعادة بس جاني أرق قلت اجرب و اطلبك و انا عارفة انك بتسهري ما قولتيش مال صوتك
انت بخير ؟
انفجرت في بكاء صعب معه الكلام
شعرت بهلعها الشديد علي و هي تحاول تهدئتي كعادتها
ربما حنان صوتها و محبتها الصادقة و محاولاتها المستميتة لبذل كل ما يمكنها أن تخفف عني ما تظنه مجرد نوبة حزن جعلني أستمر في وضع الهاتف على اذني و استمر في الاستماع لها
ربما غريزة حب البقاء كانت ما تزال نشطة رغم نوبات اليأس القاتلة التي تلاحقت علي قلبي
قالت كلاما كثيرا بعضه وصل لاذني و ضاع معظمه في فراغات شرودي مع مشاهد مؤلمة مرت بي في حياتي
كنت ما ازال واقفة علي الكرسي بجوار السور تعصف بي رياح باردة
لم اخبرها بما أنوي فعله فيما كانت ترسل الي بموجات من الدعم النفسي و الطاقة الايجابية قدر ما استطاعت و قدر ما اسعفها الكلام
كانت تتكلم دون توقف و كانها تسابق الزمن في محاولة لابطال مفعول قنابل اليأس العنقودية التى تساقط على قلبي
اتذكر من بين ما قالت لي: اعتبري انك مولودة الليلة دي و ابدئي من جديد حياة جديدة دوري علي أي شيء حلو جواكي انتي قلتي لي انك كنت بتكتبي شعر ليه ما ترجعيش تواصلي الكتابة
كدت اتجمد في مكاني من شدة البرد
كان ذلك في شهر يناير في مثل هذه الايام من عام 2009 تاريخ لا ينسى بالنسبة لي و ليلة لا تنسى مهما عشت لانها كانت فارقة في حياتي كانت بمثابة برزخ ضيق عبرت منه بين الموت و الحياة
نزلت من على الكرسي بصعوبة أشعر بتيبس في عظامي و ضعف شديد لا أكاد اقوى علي الحركة
كانت بطارية الهاتف تشاركني الشعور بالهبوط و الضعف كادت تنفد طاقتها فيما لا تزال صديقتي الطيبة تواصل بث الطاقة الى روحي المنهكة و كانها كانت تعلم ما انا فيه بالفعل
رحت أجر خطواتي المتعبة و عدت ادراجي نزلت السلم بصعوبة حتي وصلت إلي باب شقتي فتحتها فاذا بالكهرباء قد عادت و كأني أري كل ما فيها لأول مرة ‘ لمبات النيون ‘ سجادتي الزرقاء ‘ لوحة معلقة في مواجهة باب الشقة لأول مرة ألاحظ فيها كوة الضوء المنبعثة من السماء وسط الغيوم ..
دخلت إلى غرفة نومي تكومت في فراشي أستجدي الدفء يرتعد جسدي كله من البرد و روحي من الحزن و قسوة اللحظة بدأ الفراش يحتفظ لجسدي ببعض الدفء و صوت صديقتي الطيبة يمنح قلبي الامل و السكينة حتى كنت متعبة مشوشة
غلبني التعب و ذهبت في نوم عميق لأول مرة بدون أن اتناول المهديء .
استيقظت في الصباح ذهبت إلى الحمام نظرت في مرآة حوض غسيل الوجه لأري وجهي اتأمله و انا اقسم لنفسي اني لن أكون نفس تلك المرأة البائسة التي تركتها معلقة علي كرسي أعلى سطح البيت في ليلة كانت هي الأكثر ظلمة و برودة و أني لن أعيش ثانية تلك اللحظة الأكثر بؤسا و ألما في حياتي
قررت أن أحلق بالفعل ليس عن طريق السقوط من أعلي سطح البيت
سأنهي كل الامي المعلقة سأمحي من حياتي كل من اوصلني بقسوة و انانية الي تلك الحالة التي كنت عليها كان وجهي مرهقا و شاحبا و عيناي ذابلتان ثم اتخذت قرارا طالما جبنت امامه
قررت الطلاق ‘ الخلع ‘ الحرية ‘ التخلص من أثوابي السوداء التى احتلت دولابي ' غطاء رأسي ' غطاء وجهي ' اثقال روحي
سأخلع كل هذا السواد عن جسدي و قلبي مرت الشهور و الأعوام و ها أنا
الأن انظر الى نفسي و اتعجب كيف تغيرت حياتي الى هذه الدرجة كيف صرت الي ما انا عليه الآن!!
صرت إمرأة أخرى صار عندي حلم كبير اسعى لتحقيقه اصبحت عندي ارادة و يقين ان الانسان صانع قدره و ان السماء لن ترى الا من يرى نفسه و يعرف قدرها لذلك اصدرت قرارا بالاعدام لتلك المرأة البائسة المغلفة بالسواد و أعلنت ميلاد تلك المرأة الجميلة التي أقسمت ان ادللها و أحافظ علي حياتها و أسكب في داخلها كل ألوان البهجة أينما وجدتها تخليت عن فكرة الموت و اتخذت قرارا بالحياة .