أخبار قناة الشمس

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

د. عبد الحسين علوان موقع مجلة المشهد المسرحي

د. عبد الحسين علوان موقع مجلة المشهد المسرحي
 د. عبد الحسين علوان
موقع مجلة المشهد المسرحي
ثقافيات :
الباحث والكاتب الدكتور علي خليفة كتب مقالة عن ابعاد الصراع بين الرجل والمرأة في مسرح أوجست استرندبرج فقال :
لعل الثيمة الأوضح والأكثر ترددا في مسرح أوجست استرندبرج هي إظهار الصراع الدائم بين الرجل والمرأة، ففي مسرح استرندبرج نرى أن العلاقة دائما متوترة بين الرجل والمرأة، وخلال هذا الصراع أحيانا يكون الرجل هو الذي يقوم بقهر المرأة، وكثيرا ما نرى المرأة هي التي تقوم بقهر الرجل، وأحيانا نرى كل واحد منهما يحاول الضغط على الآخر وسحقه، وأحيانا يتبادلان الأدوار في محاولة كل واحد منهما إخضاع الآخر وتدميره.
ولا شك أن هذه العلاقة المتوترة بين الرجل والمرأة في مسرح استرندبرج تعكس جوانب من شخصية استرندبرج المتقلبة، وتعكس في الوقت نفسه علاقاته ببعض النساء اللائي عرفهن في حياته، وفي الوقت نفسه نرى أن هذه العلاقة المتوترة دائما بين الرجل والمرأة في مسرح استرندبرج تدل على صور من الواقع في علاقة الرجل بالمرأة في بدايات العصر الحديث في أوروبا بعد أن خرجت المرأة للعمل وصار لها دور مؤثر في الحياة.
والصورة الأولى التي نراها في مسرح استرندبرج هي صورة الرجل الذي يحاول قهر المرأة وسحقها، كما يتبدى ذلك في مسرحية الآنسة جولي، ففي هذه المسرحية نرى الخادم جون يشعر بفوارق طبقية كبيرة بينه وبين ابنة مخدومه الكونت، ونرى أن الثقافة التي حصلها وعلمه ببعض اللغات قد زاد من شعوره بهذه الأزمة، واستغل ما عند جولي من جرأة في تصرفاتها، فأوهمها خلال الاحتفال بليلة منتصف الصيف أنه كان يعشقها منذ طفولتهما، وحكى لها هذه حكاية مكذوبة عن ذلك خلال سكرهما، فسلمت له جسدها، وحين أفاقت من سكرها أدركت الهوة التي هوت فيها، وخشيت أن يعرف والدها الكونت حين قدومه بهذا الأمر، فأعطاها جون موسى لتنتحر به، وفعلت ما عرضه عليها، وقد ظن بهذا أنه انتقم من هذه الطبقة التي يشعر بالضآلة أمامها في شخص الآنسة جولي.
وإذا كنّا قد رأينا الرجل هو الذي يسحق المرأة ويقهرها في مسرحية الانسة جولي لاسترندبرج فإننا نرى المرأة هي التي تقوم بالضغط على الرجل ومحاولة سحقه وتدميره في عدة مسرحيات له، ومنها مسرحية الأب التي تعد أكبر احتجاج ضد المرأة وتسلطها ومحاولتها تدمير الرجل في العصر الحديث، في حين تعد مسرحية بيت الدمية لإبسن أهم مسرحية حاولت كبح قهر الرجل للمرأة والنداء بمزيد من الحريات للمرأة في المجتمع الأوروبي في بدايات العصر الحديث.
وفي مسرحية الأب نرى الزوجة لورا تغار من نجاح زوجها أودلف غيرة شديدة، وتسعى لتحجيمه، والتقليل من قدره، وحين تعرف أنه يرغب في تربية ابنتهما ريتا بأسلوب لا يعجبها تقرر عند ذلك تدميره، فتوهمه أن ريتا ليست ابنته، ولكنها حملت بها من شخص آخر، فيفقد عند ذلك عقله، وينتهي الأمر بموته نتيجة هذا الصراع الشديد مع هذه المرأة العنيدة التي لم تشعر بأي ندم بعد أن أوصلت زوجها للجنون ثم للموت.
وقد يستمر في بعض مسرحيات أوجست استرندبرج قهر المرأة للرجل حتى بعد موتها، كما نرى ذلك في مسرحية مواجهة الموت، ففي هذه المسرحية نرى الزوجة الراحلة قد شوهت صورة الزوج أمام بناته الثلاث، ،وحاول هو في حياة هذه الزوجة وبعد رحيلها أن يصحح هذه الصورة المغلوطة عنه أمام بناته، ولكنه لم يفلح في ذلك، وشعر أن طيف زوجته يواصل الضغط عليه وتعذيبه؛ مما جعله يستسلم للموت، وانتحر في نهاية هذه المسرحية.
وأحيانا نرى في بعض مسرحيات أوجست استرندبرج أن الرجل والمرأة يتبادلان الأدوار في تعذيب احدهما للآخر، فنرى في مسرحية سوناتا الشبح أن هامر قد انتقم من حبيبته إميليا لكونها تزوجت من شخص غيره، فأفسد عليها وعلى أسرتها الحياة السعيدة، واستسلمت حينا لقهره لها، وحبست نفسها في دولاب في بيتها تجسيدا لهذا القهر الذي قام به هامر نحوها ونحو أسرتها، ثم خرجت بعد ذلك من هذا الدولاب بعد أن استوفت فيه فترة كافية لعقوبتها وتعذيبها، وطلبت الى هامر عند ذلك أن يدخل هو ذلك الدولاب ليستوفي نصيبه من العقاب؛ لكونه أفسد عليها حياتها كما أفسد حياة باقي أسرتها، فخضع لها لأن الظروف كانت قد اختلفت وجعلته في موضع الضعف،فدخل ذلك الدولاب، وانتحر فيه.
وكثيرا ما يكون هناك ضحايا آخرون غير الرجل والمرأة نتيجة الصراع الدائم بين الرجل والمرأة في مسرح استرندبرج، لا سيما من أولادهما، ففي مسرحية الرباط نرى الزوج والزوجة يصرحان أمام القاضي بكل المخازي التي ارتكباها؛ مما يعرض طفلهما في المستقبل للفضيحة وللشعور بالخزي لانتمائه لهذين الأبوين.
وكذلك نرى في مسرحية موسيقى الشبح الابنة ريتا ترث عن أبويها طبيعة الصراع المحتدم بينهما؛ ولهذا لا تستجيب للشاب الذي أحبها، بل نراها تتعامل معه بأسلوب غريب؛ مما جعله يدرك أن هذه الابنة غير مؤهلة للحب لذلك الميراث المشئوم من العلاقة المضطربة الذي ورثتها عن والديها اللذين أنجباها.