×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

يوميات هناء في نيويورك.. لونغ أيلاند سيتي يوميات هناء في نيويورك.. لونغ أيلاند سيتي هناء غمراوي اللوحة: الفنان الروسي إيفان جوروخوف

يوميات هناء في نيويورك.. لونغ أيلاند سيتي يوميات هناء في نيويورك.. لونغ أيلاند سيتي      هناء غمراوي      اللوحة: الفنان الروسي إيفان جوروخوف
 
يوميات هناء في نيويورك.. لونغ أيلاند سيتي

هناء غمراوي

اللوحة: الفنان الروسي إيفان جوروخوف

لا إعرف كيف أعرِّف هذه المدينة الصغيرة، هل أقول إنها حي من أحياء نيويورك؟! أم قسم من المدينة يمتد بطول الشاطئ المطل على مانهاتن جهة الغرب حيث يظهر مبنى الأمم المتحدة المحاط بالعديد من ناطحات السحاب، والتي تعطي هذه المدينة طابعاً خاصًا ومميزاً؟

لا تهم التسمية ولا المساحة عندما يرتبط الموضوع في علاقتنا بالمكان، ما يهم هو ذلك الأثر الذي يتركه فينا على المستوى الشخصي والإنساني.

أمس، مساءً وبعد نهار حار ورطب شأن أغلب نهارات الصيف في نيويورك. حبسنا داخل جدران المنزل هرباً من الرطوبة والحر الشديد. وبالرغم من أننا كنا ننعم بلطف النسمات التي يوفرها مكيف الهواء في الداخل، الا أن ذلك لم يمنعنا من ذلك الإحساس بالضيق، والاختناق الذي يشعر به الانسان داخل الأماكن المغلقة. لذلك ما إن خف وهج الشمس واعتدل الجو قليلاً حتى خرجت الى الحديقة. بيدي الأيباد أتابع عبره قراءة احدى الروايات، بعد أن صار عندي بديلا عن الكتاب الورقي الذي كان رفيقي الدائم.

من الداخل جاءني صوت ابنتي؛ “ماما اتصلت احدى صديقاتي تعرض علينا مرافقتها الى لونغ أيلاند سيتي لنتنزه قليلا قرب الماء، ما رأيك؟”

وافقت بسرعة وما هي إلا دقائق قليلة، كنا داخل السيارة في طريقنا الى لونغ أيلاند سيتي. لم أسأل عن طبيعة المكان لأنها لم تكن المرة الأولى التي أذهب اليه. فقد زرتها نهاية الخريف الماضي بعد عودتي مباشرة من أوكلاهوما رفقة ابنتي ندوة التي أرادت أن تفاجئني برؤية احدى حدائقها الصغيرة التي تحتوي على بعض أنواع من الأشجار، والتي من خلال اللجوء الى تقنية معينة حديثة تستطيع أن تصغي الى كل شجرة وهي تحدثك عن نفسها وتعرِّف عن نوعها… تمشينا في الحديقة واستمتعنا بوجود الزهور التي كانت ماتزال محتفظة بنضارتها. والتي ستفقدها حتماً مع اقتراب فصل الشتاء وثلوجه وعواصفه الهوجاء.

أما الزيارة الثانية لهذه المدينة الصغيرة فكانت خلال فصل الشتاء، وكان الهدف زيارة المتحف الياباني الموجود قريباً منها. وذلك منحني فرصة أخرى للدخول اليها والتنزه داخل المساحة الكبيرة المشجرة داخلها، والمطلة على مانهاتن عبر جزء من الأطلسي يشكل ممراً مائياً تعبره السفن السياحية باستمرار.

زيارة أمس الى لونغ إيلاند سيتي كانت مختلفة. اول ما ترجلت من السيارة انتابني شعور غريب أفقدني إحساسي بالزمان والمكان … ونقلني الى عالمٍ آخر أعرفه بل ومعتادة عليه. اليس هذا الرصيف المحاذي للشاطئ يشبه الى حد كبير الرصيف الموجود في ميناء مدينتي طرابلس؟

لاشك أن هذا أوسع وأنظف ولا وجود لراكبي الدراجات، الذين يخترقون صفوف المشاة ويسببون لهم الإزعاج وربما الأذى. فالمكان منحني شعورا خاصاً سيما وأنا أتمشى على الجسر الحديدي الممتد فوق مياه المحيط. ياالله! هذا الجسر أيضاً يذكرني بالجسر الخشبي الممتد فوق مياه المتوسط في مدينتي، والذي كنا نطلق عليه اسم (سنسول) لا أعرف من أين أتت تلك التسمية، الذي أعرفه وأذكره جيداً انني كنت أقصده رفقة أولادي في أمسيات الصيف القائظة، عندما كانوا صغارًا واتركهم يستمتعون بالنزهة عليه وهم يأكلون الذرة المسلوقة، والترمس والبوشار. تلك المأكولات التي كانوا يبتاعونها من أصحاب العربات المصطفة على طول الرصيف المحاذي للبحر. أما أنا فكنت أتمشى في المسافة القريبة من الحاجز الحديدي لأتمكن من مراقبة الأمواج، التي كانت تتلاطم وتتكسر على قاعدة ذلك الجسر الذي كان يتطاول فوق الماء…

في طريق العودة، ونحن نغادر حديقة لونغ أيلاند سيتي، أعادني من شرودي سطوع الأضواء على الرصيف الطويل المحاذي للحديقة. فقد كانت تلك هي المرة الأولى التي أزور فيها هذا المكان ليلاً. لاحظت وجود عدد كبير من المركبات المتوقفة هناك، والتي حولها أصحابها الى مطاعم للوجبات السريعة. اما الفرق بين هذه المركبات، وبين العربات الخشبية الصغيرة، التي كانت تنتشر على طول الشاطئ في مدينتي، فهو ليس فقط حجمها وحداثتها، وإنما ما تقدمه لزبائنها من تنوع في الأطعمة يمثل تنوع وحضارة غالبية السكان الذين يعيشون في نيويورك. وتنوع طرق عيشهم ومأكلهم. وهكذا وبجولة سريعة على هذه المركبات، يمكنك اختيار أي لون من ألوان الطعام. فأنت غير مجبر على تناول ال “همبرغر” لوجود أكثر من ثلاثين مركبة، تقدم كل واحدة منها طعاماً مختلفاً بحسب البلد الذي ينتمي اليه صاحبها. وبنظرة واحدة الى داخل المركبة تستطيع أن تخمن طبيعة ذلك الطعام، إذا ما تفرست قليلاً في وجوه العاملين داخلها. حيث يمكننا تمييز أصولهم من تنوع سحناتهم المختلفة بين الكوري والهندي، اليوناني والمكسيكي. ناهيك عن العربات الصغيرة، التي تقدم “حلال فود” وتلك يختص بها بعص الباكستانيين أو العرب المصريين.

اقتربت من إحدى المركبات وكانت داخلها صبية جميلة تعد للزبائن مع زميلة لها أرغفة البيتزا الشهية. طلبت إحدى القطع المثلثة الصغيرة، حيث وجدتها الأخف والأنسب في هذه الأجواء! وقلت في سري؛ لندع الطعام الكوري والهندي والصيني إلى زياراتٍ لاحقة…