×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

رواية الكاتب السوري محمد تركي الدعفيس

رواية الكاتب السوري محمد تركي الدعفيس
 image
ما بين الرغبة في حياة أفضل والانكفاء إلى جحيم العزلة تراوح رواية الكاتب السوري محمد تركي الدعفيس
، راسمة إطاراً من أمنيات لا تتحقق، ورغبات تنقطع قبل أن تحمل أصحابها وتوصلهم إلى حيث يريدون
رواية "الرصاصة تقتل مرتين" الصادرة عن دار الانتشار اللبنانية ونادي الباحة الأدبي،
وهي الإصدار الرابع للمؤلف بعد "على حافة الأمنية" الصادرة من سورية عام 2012،
و"رحيل" وهي مجموعة قصصية صادرة عن دار الأدهم المصرية 2014، ومجموعة القصص القصيرة جدا
"لا وقت للحلم" الصادر عن الدار نفسها عام 2014 أيضاً، تبدو رواية واقعية بامتياز تثير الرغبة
في مطالعتها ابتداء من عنوانها الذي يفتح باب الدهشة على الأسئلة، وانتهاء بصفحتها الأخيرة
التي يتساءل فيها البطل "عمّن سرق ركبتيه" اللتين قيل عنهما حينما بترتا أنهما
"وسامه الملتصق معه حيثما حل". تموج الرواية الواقعة في 200 صفحة من القطع المتوسط
بحكايات الحياة والموت والفقد، وبقصص الانفتاح على الآخر، وكذلك برغبة الاعتزال، مركزة بشدة
على إدانة العنف الذي تخلص في النهاية لتأكيد أن كل من تدحرجوا في عجلته نالتهم الخسارة
على الرغم من انتهازية كثيرين منهم. وتعبق الرواية بحكايا متداخلة متشابكة كتشابك المجتمع،
كاشفة أن هذه العلاقات باتت متفسخة متناحرة مثل تفسخ وتناحر مجتمعها الذي تجلى مع بدء تباشير
ما سمي بالربيع العربي الذي تدور أحداثها في خضمه.
وتركز الرواية التي حملت لغة سردية شعرية مدهشة ومعبرة على الضحايا الذين طحنتهم الصراعات، فدفعوا الثمن دون أن يكون لهم الخيار في الانحياز إلى هذه الجهة أو تلك، ولعل الكاتب بدا منحازاً بشدة لهؤلاء، حيث وضع إهداء الرواية لهم في صفحتها الاستهلالية بقوله " إهداء.. إلى كل الضحايا". يقود المؤلف أحداث روايته من نقطة ذروة، متنقلاً بين الأحداث في المكان والزمان بربط محكم، موغلاً داخل نفوس شخصياته، مستخدماً حوارات مقتضبة عمّقت رصده لانعكاسات الأحداث على الشخوص، مركزاً على تقنية السارد العارف بما يتيح له الغوص في مونولوجات داخلية لبطل روايته، على الرغم من أنه حرص على ألا يرسم تفاصيل كثيرة للشخصيات الثانوية. الرواية ممتعة للقراءة، وتفتح أبواب التأويل حول المشاكل التي يعانيها عالمنا العربي، والتي تتجلى في الانتهازية والنفوس الضعيفة، ووقوف المثقف مكتوف اليدين أمام طغيان الجهلاء والمتاجرين بالدين والوطنية والطامعين بالثروات. وعلى الرغم من أن الرواية تبدو في ظاهرها متكئة على الحدث السياسي، إلا أنها تغوص بعيداً في الانعكاسات الاجتماعية للأحداث، معرجة إلى فكرة الثورات والانقضاض عليها والمتاجرة بها، ما يجعلها رواية جديرة بأن تصنف ضمن الأعمال التي تنتهج التوثيق الأدبي للحدث السياسي بتعرجاته ومنعكساته الاجتماعية والاقتصادية، مركزة على التصدع والشرخ الذي ضرب علاقات الحب، وضرب علاقات البيت الواحد، فانقسمت الأسرة بين تيارات كثيرة، وفقد كثيرون الأمان والثقة، مصورة عبر مرور بعيد عن المباشرة حال التفكك والانفصام الذي ضرب جذوره في المجتمع السوري، كما ضرب كذلك في المجتمعات العربية الأخرى سواء تلك التي اشتعلت فيها الثورات أو التي تراقب ما يجري في المنطقة القريبة حولها. ويرصد الكاتب بحرفية عالية حركة نشاط القرية، وكيف تنقطع بدورها عن التواصل مع المدينة بعد تأثيرات أجبرت الناس حتى على ترك أعمالهم حيث باتت "الطرق جحيماً يتوالد فيه الموت كل حين"، وخوفا على حياتهم من "قتال يتدحرج من شارع إلى شارع، ومن مدينة إلى أخرى". وتأتي الرواية في سردها محملة بحالة مشهدية عالية موظفة في الإطار العام بتناسق يحقق غايتها، ويجعلنا مع نهايتها نقلب غلافها الأخير دون أن نستطيع أن الأسئلة التي تطرحها عن أذهاننا.
image

imageimage