×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

المعايير الجمالية والفكرية في مسرح الطفل للدكتور عزيز جبر يوسف

المعايير الجمالية والفكرية في مسرح الطفل للدكتور عزيز جبر يوسف
  المعايير الجمالية والفكرية في مسرح الطفل
للدكتور عزيز جبر يوسف
قراءة : عبد الكريم سليم علي
لم يكن مارك توين مبالغاً حين ذهب الى أنّ مسرح الطفل هو من أعظم الاختراعات في القرن العشرين ، ووصفه بأنه أقوى معلم للأخلاق ، وخير دافع للسلوك الطيب . وبحسب تعبير الدكتور عزيز جبر يوسف يتشكّل مسرح الطفل من منظومة قيم فكرية وجمالية تحرك مشاعر الأطفال وأذهانهم وتغذيهم فنياً وأدبياً ، بإثارة أحاسيسهم وتفكيرهم عن طريق الأحداث والأشخاص والمواقف التي يتضمنها العرض المسرحي . ويأخذ مسرح الطفل طابعه الخاص وهويته من وظائفيته التي تتحدد بخصوصية الجمهور ، والتي تفترض عناية خاصة في كل تفاصيل العمل المسرحي ، بدأً بتحديد الأهداف واختيار النص المناسب للمستوى الإدراكي والنفسي للطفل من حيث اللغة وبنية الحبكة وانتهاءً بآليات العرض والتقديم .
ويستمد مسرح الطفل أهميته بوصفه رسالة فنية شاملة تجمع بين المعرفة والتربية والتعليم والتسلية ، رسالة تسهم في تشكيل البنية الثقافية والاجتماعية للطفل ، واستثارة خياله ، وتنمية مواهبه وقدراته الابداعية ، فضلاً عن اعداده نفسياً وجمالياً ، ويكتسب مسرح الطفل أهمية مضاعفة لما يضطلع به من مهمة كبيرة في إعادة التأهيل التربوي والنفسي والجمالي في المجتمعات المأزومة التي تعاني آلام ومظاهر العنف وآثار التدهور الاقتصادي ، والصراع العرقي والطائفي . إنَّ رسالة مسرح الطفل - بأهدافها التربوية والنفسية والجمالية المركبة - والتي تتطلب بذات الوقت البساطة والوضوح والإثارة تتطلب جهداً خاصاً ، وسعة في الخيال والتصور ومعرفة بأساليب الإمتاع بالنسبة للعاملين في هذا المجال ، وهنا تكمن صعوبة المسألة ،لذا يجب التعامل مع مسرح الطفل بأسلوب علمي دقيق ، يأخذ بكل خواصه وأهميته ووظائفه وتقنياته الخاصة والعالية ، وبهذا سنتمكن من الوصول الى صورة واضحة لهذا المسرح واختيار السبل الناجحة التي تمكننا من التعامل معه وتجسيد أهدافه على أرض الواقع .
إنَّ المتابع لخارطة أدب الطفل في العراق ، في الوقت الراهن ، يؤشر نقصاً واهمالاً في الاهتمام وبخاصة في مسرح الطفل ، في حين يلزمنا الواقع العراقي اليوم البدء بحملة من أجل طفولة عراقية محمية من آثار العنف والتدهور الاقتصادي ومن تأثيرات الكرب التالي للصدمات ، من هنا تكاثفت جهود الدكتور عزيز جبر يوسف التدريسي في معهد الفنون الجميلة ، وعكف على رفد الساحة الثقافية بكتاب متخصص عن المعايير الجمالية والفكرية في مسرح الطفل مدفوعا في ذلك بوطأة الإحساس بحاجة الساحة الثقافية العراقية للمزيد من المؤلفات في مجال أدب الطفل . صدر الكتاب عن دار المرتضى للطباعة والنشر ، وهو دراسة اكاديمية تفصيلية هدفت إلى تحليل العروض المسرحية المقدمة للأطفال في مهرجانات مسرح الطفل للعام 2004 ــــــ 2006 ، فضلاً عن بناء معايير جمالية فكرية لتقويم العروض المسرحية المقدمة للأطفال . تضمن الكتاب في فصليه الاول والثاني رحلة رائعة تزود القارئ بإطار نظري يعينه على فهم مسرح الطفل ، وتعرفه بآليات تحديد المؤشرات التي اعتمدها الباحث في الفصول اللاحقة في بناء المعايير الجمالية والتي تضمنت (البناء الدرامي ، اللغة ، الملائمة ، التطور التكنولوجي البهرجة والابهار ، العملية الاخراجية ) ، والمعايير الفكرية التي تضمنت ( المعيار الوطني ، والمعيار الاخلاقي ، والمعيار التعليمي ) ، وقد خرج الباحث بجملة من التوصيات العملية التنظيمية والأكاديمية للنهوض بواقع مسرح الطفل أكّد من خلالها على ضرورة ايجاد مسرح خاص للأطفال له ادارته الخاصة وميزانيته المناسبة في محافظات العراق ، وضرورة أن يراعي كاتب مسرح الطفل عند اختيار الشخصيات المراحل العمرية للأطفال ومستوياتهم ومرجعياتهم الثقافية ، والاهتمام بمعالجة الشؤون التربوية والفنية والوطنية الخاصة بالطفل ، ودعا الباحث الى تشكيل مجلس أعلى لثقافة الاطفال ، وانشاء مكتبة متخصصة في اداب وفنون الاطفال ، والاهتمام بالبحث والنقد المكرس خصيصاً بمسرح الاطفال . اتسمت طروحات الكتاب ومنهجية البحث بالوضوح والدقة العلمية والتنظيم في العرض . إنّه كتاب جدير بالقراءة ، وهو بصمة متميزة لكاتب عراقي مسكون بالحياة الثقافية عموماً والحياة المسرحية على نحو خاص . المقال منشور في صحيفة الى امام على الرابط :
http://www.ilalamam.com/Article_Detail.aspx