×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

Hanan Bakir ‏ تغريدة هذا الاحد في صحيفة الحياة الجديدة بعنوان/ الواقع والرومانسية

Hanan Bakir ‏  تغريدة هذا الاحد في صحيفة الحياة الجديدة بعنوان/ الواقع والرومانسية
 Hanan Bakir


تغريدة هذا الاحد في صحيفة الحياة الجديدة
بعنوان/ الواقع والرومانسية


فرحة لقاء قدامى الأصدقاء تنسيك أحيانا، مساوئ وسلبيات الفيسبوك. قبل أسبوع، عثرت عليّ صديقة قديمة، أعادت لي فرح ايام طوتها السنون، لم تكن كل ايامنا وردية، في ذلك الوقت، لكن الحنين ألقى عليها غلالة مهابة الماضي.. نبشنا ماضيا، صار يشدّنا، ونلوذ به من واقع مزر.
كان والدها، عمو ابو الياس، الترشحاني، صديقا حميما لوالدي. وكانت زوجته إم محمد هي الخالة التي تخبز لنا اطيب منقوشة بصل ترشحانية. لم نكن نجد اي تعارض في تلك التوليفة، بين الياس ومحمد! ولم يسبق لأحدهما الزواج والإنجاب من شريك آخر.
أول تعارف بين أمهاتنا، كان في مناسبة أليمة. فقد جرف النهر ابنها البكر محمد، ورحل بعيدا عنّا. كنت آنذاك في الثالثة عشرة من عمري. أقيم حفل تأبين للطفل محمد ابن "ابو الياس"، في باحة امام بيته على اطراف مخيم برج البراجنة. في ذلك الوقت، كان المكتب الثاني، اي جهاز المخابرات اللبناني، هو الحاكم بأمره في كل المخيمات، وخارجها ايضا.. إنما لم يكن يخيفني مثل الآخرين، فكلهم اصدقاء أبي وزبائنه في المقهى. طلبت من "أبو الياس" أن ألقي كلمة في الفقيد، الذي لم أره في حياتي. وكان لي ذلك، بعد رفض متواصل، لم أعرف سببه.
ماذا عساني أقول بالمناسبة؟ لا اعرف الطفل الذي ربما كان بمثل عمري !! رجال الأمن في الصف الأمامي.. بدأت كلمتي بالبسملة باسم فلسطين.. سمعت بعض النحنحات ورأيت بعض الغمزات.. لكنها لم تكن لتعنيني بشيء! فقد رأيت في الطفل محمد، رمزا للجيل الذي سيحرر فلسطين! وان فلسطين اليوم قد خسرت فدائيا، ولد في المنفى! هذا كان بعض كلامي! افشلتُ كل محاولات إسكاتي.. حتى قلت كل ما شعرت به.. شجعتني رؤية ابي يصفق لي.. لاحقا جاءني توبيخ من احد الرجال المألوفين لأبي. لم يرقه ربط حادثة غرق طفل.. بفلسطين! وأني سوف أجني على الرجل الذي تكفيه مصيبته بابنه !
مضت على تعارف العائلتين سنوات قليلة. وكان لكلا الرجلين قطيع من الأولاد يتقاربون في الأعمار.. فوجد كل واحد منا رفيقا يناسبه في العمر.. أما انا فقد صادقت الجميع الأكبر والأصغر مني سنا. كانت شهناز احداهم.
يوم ماتت جدة أبي وبلغت العاشرة بعد المائة من العمر. عرف أبو الياس حبي لها، وخشي عليّ من صدمة ما، فاقترح على ابي، ان اقضي ليلتي في بيتهم.. كانت ليلة عاصفة وماطرة.. و" الدنيا نازلي كبْ من عند الربْ "، كما كانت تقول جدتي.
كانت ليلتي الأولى والأخيرة التي قضيتها في المخيم، لذا بقيت رومانسيتها تسكنني حتى الان! نقر المطر الشديد على ألواح "الزينكو".. ما زال أجمل السيمفونيات التي سمعتها. ولوَلة ريح تهب قوية، يصاحبها تطاير لوح خشب او حجر يدعم السقف.. ضجيجه جزء من تلك السيمفونية.. فتدلف المياه.. صديقاتي يسارعن بوضع أوان عميقة، تتلقى القطرات المتسربة. وكنت أشاركهن في اكتشاف اماكن التسريب، ونضحك وكانت لعبتنا طيلة تلك الليلة! وخففت عني فراق جدتي.. تلك الليلة التي سقطت في ذاكرتي وسكنتها.. أدركت لاحقا انها لم تكن في تلك الرومانسية بالنسبة لأصحابها.. وأن ام محمد زوجة ابو الياس، حازت لاحقا على لقب ام الشهيد زهير عكاشة.


حنان باكير