×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

مقابلة الاستبقاء

مقابلة الاستبقاء
 بقلم العميد متقاعد/ ندى عزيز الخمعلي
تعتمد الشركات والمؤسسات على الموظفين والعاملين لديها بشكل كبير، فَهم رأس المال البشري الذي يوازي في أهميته رأس المال المادي، وربما يزيد!
ويعد "الكوادر" والموظفين المثاليين والمميزين كنز ثمين تحظى به قطاعات العمل باختلاف وظائفها ونطاقات اهتماماتها، لذا فإنها تحاول وبقدر الإمكان الاحتفاظ به والاستبقاء عليه تحت جناحها، فالمورد البشري بمثابة الزيت الذي يحرك الماكينة العملاقة ويدفع عجلاتها للتقدم والنجاح؛ ودونه لا تعدو تلك الماكينات عن كونها جماد بلا فائدة تذكر! وفي بيئة العمل من الطبيعي الاصطدام بالمشكلات، لكن تواجه معظم الشركات معضلة تتلخص بتسرب أفضل الموظفين وأكثرهم إنتاجاً وخبرةً وانضباطاً إلى شركات أخرى. قد يكون المال هو السبب في بعض الحالات، لكن وكما تشير الدراسات فإن المال ليس السبب الأساسي ولا علة الخروج وترك العمل.. قطعاً هناك أسباب أُخرى.
لا بد أن هذا الأمر كان محط اهتمام كثير من مختصي علم الموارد البشرية -وهو علم ضخم روافده متعددة، يراجع علاقات الأفراد بالشركات بتمحيص وتدقيق واهتمام.
المختصين أشاروا إلى استراتيجية فريدة، إن تم تطبيقها قد تؤتي ثمراً في إقناع الموظفين المتميزين بالبقاء والاستمرار بالعمل لدى المنشئة دون سواها، ألا وهي "مقابلة الاستبقاء".
وتعني كمصطلح، الاجتماع بالموظف في جلسة رسمية لمعرفة السبل التي تمكن من تطوير بيئة العمل لتصبح مكاناً أفضل بحيث لا يمكن له أن يغادره؛ وسؤال أفضل الموظفين وأكثرهم إنتاجاً عن سبب بقائهم وعدم تركهم للعمل أو بحثهم عن آخر حتى ذلك الحين –أي تفنيد أسباب التمسك.
ويفضل أن يكون الاجتماع رسمياً، وجهاً لوجه وعلى حده. ويفترض بمن يجري هذه المقابلة أن يخبر الموظف بداية وقبل كل شيء بأنه مهم جداً في نظره ويسأله بمباشرة واختصار.. "كيف يمكن أن أستبقيك؟؟"
يشير الخبراء بأن الأسئلة يفضل أن تكون بصيغة الجمع، ما هي الأشياء، الآليات، المقترحات.. كما وينصحون بتجنب الأسئلة التي قد تكون الإجابة عليها "أريد علاوة مالية".
لا يختلف اثنان بأن أسرع الحلول وأفضلها هي الزيادة المالية بلا منازع، لكن الأمر لا ينجح دائماً!
لكن بطريقة "المقابلة الاستباقية" وتفعيل هذه الاستراتيجية واتباع أساليب إدارة الموارد البشرية المتطورة، سوف تحصل على العديد من الاقتراحات والمعلومات التي سوف يقدمها لك موظفك المتميز على صعيد العمل وتطويره والتوصل إلى أفكار جديدة.
أيضاً سيمكنك من الإحاطة ببعض المشكلات والتفاصيل التي لربما لم تكن لتخطر لك على بال من موقعك الوظيفي المرتفع؛ كما وستمكنك من معرفة كثير من الأمور التي يخشى الموظف التكلم بها بشكل علني لاعتبارات كثيرة.
هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى وكما يشير أحد الموظفين عندما طرحت عليه فكرة هذه المقابلات وطلب أن يعلق برأيه كموظف حول الأمر؛ قال بأن الجانب المعنوي هو أهم ما يميز هذه الاستراتيجية، فهو يمنحه شعوراً بالاهتمام والتقدير والتحفيز والاستقرار، و"أشعر أنني بالفعل ابن من أبناء الشركة"!
جملة مثل هذه تحمل مشاعر ولاء وانتماء عميقة لا يمكن إغفالها ولا تجاهل أهميتها تبعاً لأهمية هذه المقابلات.
وتندرج هذه الاستراتيجيات في إطار مهمات إدارة الموارد البشرية، ويفضل أن يجريها مدير القسم أو المسؤول المباشر عن الموظفين، بشكل دوري -سنوي أو نصف سنوي- حسب الظروف المحيطة.
هناك سبل عديدة متفق عليها لتطوير منشأة العمل والنهوض بها، بدأً من التغييرات في المكان والبيئة، وتوفير متطلبات تسهل من الحياة الوظيفية للعاملين فيها وانتهاءً بالأساليب المتطورة المدروسة كمثل "مقابلة الاستبقاء" التي تصنف كاستراتيجية تُنتظر فعالياتها على المدى البعيد.
وكما تعلمنا منذ الصغر بأن الوقاية خيرٌ من العلاج فإن صيانة مفاصل المنشأة قبل انحلالها، خير من الهلع لتدارك انهيارها.
وقد لا تجري الأمر بعد المقابلة بالصورة المخطط لها، ومن المحتمل بشكل كبير أن يغادر بعض الموظفين رغم الجهود المبذولة؛
بالمحصلة لا يمكن مقاومة إغراء السوق ولا تأثيراته.لكن يُلاحظ بعد إجراء هذا النوع من المقابلات انخفاض ملموس في عدد الموظفين المنسحبين بشكل كبير، وكذلك يساعد ذلك في التحكم في التوقيت ودراسة الأمور بشكل أفضل.
أيضاً يسهم في التخفيض من معدل الدوران الوظيفي في تلك الشركات والمؤسسات ويعمل على تحقيق الأمن والاستقرار وتطوير منشأة العمل وتعزيز قوتها ومكانتها في السوق.
هناك العديد من الاستراتيجيات التي وضعتها إدارات الموارد البشرية، لكن استراتيجية مقابلة الاستبقاء، تعد من أفضلها وأنجعها. ويا حبذا لو تطبق مثل هذه الاستراتيجيات في مؤسساتنا وشركاتنا وتتابع من قبل وحدات مختصة بدراسة هذا التطبيق وأثره الذي لابد أن يكون محموداً.