للمبدعه وفاء عبد الرزاق --من المجموعة القصصية التي صدرت حديثا عن دار ليندا سوريا( الآخرون) ( الأركان الأربعة )
( الأركان الأربعة )
لثمانية شهور تتوسط الحائط، شهرا شهرا كنتُ أراقبها، أينما ولَّيت وجهي أراها، كلما انهزمتُ منها انتصرت علي وجعلت عينيَّ تستقران عليها.
حين أغفو متعبة، حين أصحو فجرا على حين غرة، تترنح عقاربها إعياءً ، أحركها قليلا لأسمع نبض الوقت، يتعقبني الصمت ويملأ المكان .
بعدها..
تـُفرغ الصمت في جيبها، وتطرق باب لحظاتي لتشاركني الهمس المخبوء بين أضلعي.
كثيرا ما قلت:
- يجب عليَّ كتم أنفاسي ..
لكنها لا تكتم أنفاس صمتها، تصرعلى أن تكون ضمن محتويات البيت..وتترك الوقت يلوك لحظاته... هي مثلهم، ينظرون بحذر لما أكتبه عنهم، ويهمهمون..همهمة غير الراضي، أو منَ له مشاعر نحوي، أو مَن يبحلق كالأحمق.
يتنقلون في أرجاء البيت بكل حرية.. يتأوهون تذمرا وقتما أنقل أمكنتهم الحقيقية على ورقي، ويصرون على البقاء كيفما شاءوا.
أفكاري تشدهم إلي.. يخرجون أحيانا للنزهة، ثم يعودون دون استئذان من باب الدار، لا يطرقونه، إنما يمارسون طريقة التلصص على كلماتي.
عندما يرقد الجيران يصحون، يخرجون من عمق المعاناة والمكابدات ويلتفون حولي.
ثقبتُ رأس الفكرة الأولى، ووقف هو بجانبي يتطلع صوب الريح، محاولا إيجاد ضالة ما... بينما بقي الآخرون صامتين.
المكان مكتظ بالركاب،، كنتُ أرى قلبي يتجول بينهم ،، يتمايل على إيقاع ضرباته كما الساعة الآن، وحين يمتزج بهم يتغطى في دفء وجوههم.
المكان ذاته، كلما ازددتُ يقينا أن الوقت تأخر ولا بد من ارتياد المترو، وعليَّ الوقوف متمسكة بعمود يتوسط العربة كي لا أسقط.
المكان ذاته كل يوم يقودني إلى عملي في شارع (Oxford Street).
نأخذ معا خط (Central Line) ونحتوي المكان، كما يحتوينا المترو.
في العربة ذاتها، العينان ذاتهما أيضا، يترقبان حركتي المرتبكة وأنا أحسب الثواني وأعد ما بقي لي منها على دخولي مكتب عملي.
عيناه ينبوعان يسيلان،، كلما مسح بعضا من دمع، سال غيره متحديا منديله المتسخ.. يده المرتبكة، قميصه الطويل المفتوح الأزرار بلونه الرمادي، وحذاؤه القديم.
كل هذا لا يعني الركاب بتنوع أجناسهم وأحجامهم وألوان بشرتهم.. إنما يعنيني أنا، لأنني بمفردي معه، أقف عند عتبة حلمه، أمتد بين عينيه كجسر متحرك، ولا أسمع سوى الصمت.
الأشياء نفسها كل يوم تحيط بي، وساعة كبيرة على معصم نحيل تلوك ثوانيها بين أعين الركاب .. لا تنظر الى هدف أو جهة.
شعر أسود، بشرة سوداء داكنة، شفتان غليظتان، عينان كبيرتان، أكتاف نحيلة وبطن ضامر.
بشعره الكثيف، وجلسته التي لا تأخذ إلا حيزا صغيرا، لا يزعج أحداً، لا يتحدث مع أحد.. يركب قاصدا القاطرة التي أقصدها كل صباح، ناظرا الى ساعة يده القديمة مقلدا حركاتي المرتبكة في صراعها مع الوقت.. وبفمه يتلوى سؤاله المعتاد عن التوقيت المحلي، لكنه لا ينطقه انما يشير إليه كي أرد على سؤاله.
بدا الأبله كرضيع مهدد بالفطام ، حين رآني يوم الأحد ألوح له من خارج العربة عن التوقيت المحلي لساعة ( BiG Ben ) فساعة يدي لا تُخطئ التوقيت كساعته العاطلة.
كنتُ عائدة من التسوق ساعة أن فحصت الجهات كلها، ونزلت في
محطة( Perivale).
نظر إلي وإلى ورقة شجر طائرة في الهواء، ظل محتارا بيننا وإلى أينّا يستقر نظره، ثم استدار باحثا عن مرفأ في مركب الريح.
حين عدتُ إلى داري، وجدته يحيطني في الأركان الأربعة.. والساعة المعطلة على الحائط لا تشير إلى اتجاه، مثله تماما.
تذكرت بأنني لم أدس في يده عملة نقود معدنية ليشتري له سيجارة واحدة، اعتاد تركها بين أصابعه حتى يخبو جمرها ويسحقها بقدمه الكبيرة دون أن تلمس شفتيه.
ابتسم حين رآني أحمل صورته الأخيرة، وبين أجفاني إشارته عن التوقيت.. ثم، اتخذ له مكانا بينهم.
لثمانية شهور تتوسط الحائط، شهرا شهرا كنتُ أراقبها، أينما ولَّيت وجهي أراها، كلما انهزمتُ منها انتصرت علي وجعلت عينيَّ تستقران عليها.
حين أغفو متعبة، حين أصحو فجرا على حين غرة، تترنح عقاربها إعياءً ، أحركها قليلا لأسمع نبض الوقت، يتعقبني الصمت ويملأ المكان .
بعدها..
تـُفرغ الصمت في جيبها، وتطرق باب لحظاتي لتشاركني الهمس المخبوء بين أضلعي.
كثيرا ما قلت:
- يجب عليَّ كتم أنفاسي ..
لكنها لا تكتم أنفاس صمتها، تصرعلى أن تكون ضمن محتويات البيت..وتترك الوقت يلوك لحظاته... هي مثلهم، ينظرون بحذر لما أكتبه عنهم، ويهمهمون..همهمة غير الراضي، أو منَ له مشاعر نحوي، أو مَن يبحلق كالأحمق.
يتنقلون في أرجاء البيت بكل حرية.. يتأوهون تذمرا وقتما أنقل أمكنتهم الحقيقية على ورقي، ويصرون على البقاء كيفما شاءوا.
أفكاري تشدهم إلي.. يخرجون أحيانا للنزهة، ثم يعودون دون استئذان من باب الدار، لا يطرقونه، إنما يمارسون طريقة التلصص على كلماتي.
عندما يرقد الجيران يصحون، يخرجون من عمق المعاناة والمكابدات ويلتفون حولي.
ثقبتُ رأس الفكرة الأولى، ووقف هو بجانبي يتطلع صوب الريح، محاولا إيجاد ضالة ما... بينما بقي الآخرون صامتين.
المكان مكتظ بالركاب،، كنتُ أرى قلبي يتجول بينهم ،، يتمايل على إيقاع ضرباته كما الساعة الآن، وحين يمتزج بهم يتغطى في دفء وجوههم.
المكان ذاته، كلما ازددتُ يقينا أن الوقت تأخر ولا بد من ارتياد المترو، وعليَّ الوقوف متمسكة بعمود يتوسط العربة كي لا أسقط.
المكان ذاته كل يوم يقودني إلى عملي في شارع (Oxford Street).
نأخذ معا خط (Central Line) ونحتوي المكان، كما يحتوينا المترو.
في العربة ذاتها، العينان ذاتهما أيضا، يترقبان حركتي المرتبكة وأنا أحسب الثواني وأعد ما بقي لي منها على دخولي مكتب عملي.
عيناه ينبوعان يسيلان،، كلما مسح بعضا من دمع، سال غيره متحديا منديله المتسخ.. يده المرتبكة، قميصه الطويل المفتوح الأزرار بلونه الرمادي، وحذاؤه القديم.
كل هذا لا يعني الركاب بتنوع أجناسهم وأحجامهم وألوان بشرتهم.. إنما يعنيني أنا، لأنني بمفردي معه، أقف عند عتبة حلمه، أمتد بين عينيه كجسر متحرك، ولا أسمع سوى الصمت.
الأشياء نفسها كل يوم تحيط بي، وساعة كبيرة على معصم نحيل تلوك ثوانيها بين أعين الركاب .. لا تنظر الى هدف أو جهة.
شعر أسود، بشرة سوداء داكنة، شفتان غليظتان، عينان كبيرتان، أكتاف نحيلة وبطن ضامر.
بشعره الكثيف، وجلسته التي لا تأخذ إلا حيزا صغيرا، لا يزعج أحداً، لا يتحدث مع أحد.. يركب قاصدا القاطرة التي أقصدها كل صباح، ناظرا الى ساعة يده القديمة مقلدا حركاتي المرتبكة في صراعها مع الوقت.. وبفمه يتلوى سؤاله المعتاد عن التوقيت المحلي، لكنه لا ينطقه انما يشير إليه كي أرد على سؤاله.
بدا الأبله كرضيع مهدد بالفطام ، حين رآني يوم الأحد ألوح له من خارج العربة عن التوقيت المحلي لساعة ( BiG Ben ) فساعة يدي لا تُخطئ التوقيت كساعته العاطلة.
كنتُ عائدة من التسوق ساعة أن فحصت الجهات كلها، ونزلت في
محطة( Perivale).
نظر إلي وإلى ورقة شجر طائرة في الهواء، ظل محتارا بيننا وإلى أينّا يستقر نظره، ثم استدار باحثا عن مرفأ في مركب الريح.
حين عدتُ إلى داري، وجدته يحيطني في الأركان الأربعة.. والساعة المعطلة على الحائط لا تشير إلى اتجاه، مثله تماما.
تذكرت بأنني لم أدس في يده عملة نقود معدنية ليشتري له سيجارة واحدة، اعتاد تركها بين أصابعه حتى يخبو جمرها ويسحقها بقدمه الكبيرة دون أن تلمس شفتيه.
ابتسم حين رآني أحمل صورته الأخيرة، وبين أجفاني إشارته عن التوقيت.. ثم، اتخذ له مكانا بينهم.