×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

قصة قصيرة المأمور الذى عطس؟! عمرو على بركات

قصة قصيرة المأمور الذى عطس؟! عمرو على بركات
 قصة قصيرة
المأمور الذى عطس؟!
عمرو على بركات
كانت الحالة الأمنية مضطربة كالعادة، فبين كل إجتماع وإجتماع، إجتماع لإستعراض الخطة الأمنية لمواجهة الظروف المتوقعة، أو إجتماع لوضع خطة أمنية تحسباً للظروف الأمنية الغير متوقعة، حتى بات تواجدى فى سيارة المأمور النقل ذات الفلاشر الأحمر، والسارينة التحذيرية المعطلة لإفساح الطريق ذهاباً وعودة من الإجتماعات، أكثر من تواجدى فى مكتبى كمأمور للقسم، وكان مكان جلوسى المعتاد فى الاجتماعات، فى الصف الثانى الخاص بالسادة المآمير، حيث يشغل الصف الأول السادة اللواءات مساعدى السيد اللواء مدير الأمن مرصوصين حسب مناطقهم الجغرافية، وإختصاصاتهم النوعية، وبدأ الإجتماع يومها كمثل كل إجتماع بجلجلة صوت السيد اللواء المدير بالتحذيرات، ورفع حالة الإستعداد، والتى هى مرفوعة بالفعل للحالة "ج"، ولا أدرى لأى سبب تم إختيار حرف الجيم من بين كل حروف الهجاء الثمانية والعشرين للتعبير عن رفع حالة الاستعداد، وباتت الجيم مرادفاً لوقف الراحات، فبسبب حرف الجيم لم نحصل على راحاتنا الأسبوعية منذ المظاهرات السابق الإعلان عنها منذ شهور ولم تحدث، إلا أن حالة الإستعداد على أهبتها القصوى، فربما حدثت مظاهرات لم يعلن المتظاهرون عن موعد قيامها، وفى هذا الإجتماع لم أتمكن من كبح لسانى فطلبت الكلمة رافعاً يدى للسيد اللواء المدير مطمئناً سيادته، قائلاً باللغة العربية الفصحى:" أنه لن تقم مظاهرات فجأة دون إعلان المتظاهرين عن موعدها، فلو قامت مظاهرات دون وجود قوات الشرطة فى إنتظارها، لتقف أمام المتظاهرين، لفقدت المظاهرات قيمتها لدى المتظاهرين، ومحرضيهم، وأجهزة الإعلام المدعومة من جهات خارجية، وبالتالى لن يتحقق الهدف منها من الترويج لوجود قلاقل فى المجتمع، ولن يقوم المتظاهرون بإلقاء الحجارة على رجال الشرطة.. وعليه قد ترون سيادتكم أن ننفذ خطة الأمن فى الأحوال العادية، ونفتح الراحات، حتى نلتقط أنفاسنا لحين إعلان المتظاهرين عن موعد المظاهرة القادمة فنرفع عندها حالة الإستعداد"، وقمت بأداء التحية العسكرية وجلست مكانى، إلا أن السيد اللواء المدير صرخ فى الميكروفون الموضوع أمامه على المنصة بجوار زجاجة المياه المعدنية ذات الحجم الكبير، قائلاً:" كده يبقى المتظاهرين همه اللى بيشغلونا؟؟!!واحنا مبنشتغلش عند حد.. والحالة جيم مستمر بمزاجنا..مش بمزاج المتظاهرين"، فرسمت على وجهى علامات الإقتناع، الممزوجة بعلامات البلاهة، المختلطة بسمات العبط، المتسم بالطاعة العمياء لأوامر معاليه، واستمر سيادته فى شرح أبعاد الموقف، وعندئذ استنشقت أنفى رائحة نفاذة.. ربما يكون أحد الزملاء الجالسين بجوارى شعر بانتفاخ مفاجئ فأخرج ريحاً صامتاً، حرصاً منه على الحفاظ على حالة السكون التى تهيمن على صالة الاجتماع، ولكن الريح كان قوياً نفاذاً لدرجة توحى بأن أغلب الضباط من مختلف الرتب أصيبوا بانتفاخ مفاجئ، ولكنى لم أتمكن من تحمله مما دفعنى لإصدار عطسة قوية مصحوبة ببلغم لتستقر على رأس السيد اللواء الجالس أمامى فى الصف الأول، وقلت بصوت هامس :" الحمد لله"،ولسوء حظى كانت رأس سيادته صلعاء خالية من الشعر تماماً، حتى كان إسمه الحركى بين الظباط المتابعين لخط سيره فى مروراته المفاجئة إتقاءاً لشره.. "موسولينى بك"، إلا أنه عندما أخرج منديله الورقى ليمسح "البربور" من فوق رأسه، حمدت الله لأنه مساعد المدير لقطاع الشرق، أما أنا فأتبع مساعد قطاع الغرب، ولكنى وجدت أنه من الذوق الإعتذار له، فانحنيت على أذنه اليسرى:" آسف يامعالى الباشا"، فأومأ لى برأسه إيماءة لم أفهم معناها؟! فأدركت أن سيادته قرفان منى بلاشك، وهو رجل شرير، وعضو فى لجنة تقييم الظباط، وسوف يتوعدنى، وحركة التنقلات المنظرة أمر الطباعة، ربما إنتقم منى بكتابة تقرير بعدم صلاحيتى لمنصب المأمور، ورفعنى من المأمرة، فتربصت به بعد الإجتماع، ولحقت به فى الممر المؤدى لمكتبه واستوقفته قائلاً:" أقسم بالله..ما كان قصدى يا معالى الباشا.. غصب عنى.. أنا عندى انفلونزا بعيد عن معاليك"، فرد باقتضاب:" الموضوع خلص خلاص"، وتركنى متجهاً لمكتبه، فقلت له موجهاً خطابى لنفسى:" خلاص ..خلاص.. هو أنت هتقبض روحى..؟ ولا عايزنى أجرى وراك أبوس أيدك..؟ طز فيك ..وفى قرعتك"، ودارت الهواجس فى رأسى، بين إيماءته عند أعتذارى الأول له عقب العطسه، وقوله " الموضوع خلص"؟ وتذكرت الحديث النبوى الشريف" إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمكم الله، فإذا قال له يرحمك الله فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم"، ولكن السيد اللواء لم يقل لى :"يرحمكم الله"، فقد نزع الله الرحمة من قلبه، وربما سيادته يعلم أن هذا الحديث على الرغم من أن "البخارى" ذكره فى صحيحه، إلا أن الشيخ " الألبانى" ضعفه!! فسيادته لم يقل لى :" يرحمكم الله"، لأنه عليم بعلوم الحديث، أو ربما إحتراماً لحديث السيد اللواء مدير الأمن؟ الشكوك تراودنى فى أنه سينتقم منى بشكل ما؟! وقررت الدخول إلى مكتبه لأشرح له الحديث النبوى الشريف، وأنه ورد فى موطأ الامام"مالك"، فى باب "آداب العطس"، وبالفعل دخلت إلى مكتب سيادته، وأديت التحية العسكرية، واقفاً إنتباه، إلا أنه لم يشير لى بالجلوس، فبادرته قائلاً:" بالنسبة للعطسة يا فندم..."، فقاطعنى قائلاً بغضب فوق الغضب الطبيعى لملامح وجهه:" أنا مش فاضى للهيافة دى.. أنت وراك شغل جامد.. وأنا مشغول بتقارير الحركة.. اتفضل شوف شغلك"، فخرجت من المكتب وقد أكدت لى ملامح وجهه أنه يتوعدنى.. ووضعنى فى رأسه القرعة، وأخذت أخمن ماذا هو فاعل بى؟ ورددت على نفسى قائلاً:" كبيره ينقلنى قسم بعيد عن سكنى.. فأنا لسه راجع من الصعيد.. ومليش صعيد تانى"، ولكنى لُمت نفسى من شدة القلق:" كان لازم تعطس.. أهو بيستحلف لك.. وهو إيه اللى خلاه يجيب سيرة إنه بيكتب تقارير الحركة.. ربنا معانا"، ولكنى وأنا فى طريقى عائداً لمنزلى سرت هواجس أخرى فى نفسى .. أنه ربما يتوقع أنى قصدت البصق على رأسه، حيث لم أتمكن من البصق فى وجهه لأنى أجلس خلفه، وربما ترجم عطستى بأنها كانت فى الأصل بصقة عليه، وتمادى شيطانى فى مدى بأسباب القلق فربما عرض الواقعة على السيد المدير شخصياً بأنها كانت بصقة موجهة للسيد اللواء المدير رداً على تعليقه على رأيى الذى طالبت فيه بعودة منح الراحات للضباط، ولكنها تحولت لعطسة فى اللحظات الأخيرة، وحالت قرعة السيد اللواء "موسولينى" دون وصولها للمنصة، دخلت منزلى مهموماً مشوش التفكير بين كل الإحتمالات التى تتهددنى، وزاد الغم بعد أن حكيت لزوجتى القصة بكل تفاصيلها، فلم تكن سكناً لى، وإنما صاحت فى وجهى كعادتها قائلة:" هو أنت كده متعرفش تمسك لسانك.. ولا تكتم مناخيرك.. إشرب بقى"، وأشارت علىّ بخبرتها الطويلة معى فى الشرطة والتنقلات بأن أكتب تظلماً مسبقاً للسيد اللواء مدير الأمن، أشرح له فيها سبب العطسة ؟ وأنها غير مقصودة، لتكون مستنداً أعتد به حين تظلمى من النقل فى الحركة، وحتى لا أكرر خطأى فى تظلمى من الحركة الماضية التى نقلت فيها للصعيد، لأنى قدمته بعد قفل باب التظلم، فها أنا أتظلم قبل إعلان الحركة أصلاً، وبالفعل نفذت تعليمات زوجتى، ولكن بعد أسبوع أعلنت الحركة، وتم فيها إحالتى للمعاش وإنهاء خدمتى حتى دون ترقية، فتمددت على سريرى، وزوجتى جالسة على طرفه، وقد عصبت على رأسها بقرطة حركة التنقلات المعتادة ولكن للمرة الأخيرة.. وهى تسألنى قائلة :" طب...هما طلعوك معاش ليه؟! علشان طلبت تاخد راحة؟!... ولا علشان عطست؟!"