أخبار قناة الشمس

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

المُلاية.... مهنة الأفراح والأحزان تحقيق/ إنعام عطيوي مهنة حرة ومربحة....و ليست بحاجة إلى انتماء حزبي أو نقابي

المُلاية.... مهنة الأفراح والأحزان تحقيق/ إنعام عطيوي  مهنة حرة ومربحة....و ليست بحاجة إلى انتماء حزبي أو نقابي
 
المُلاية.... مهنة الأفراح والأحزان
تحقيق/ إنعام عطيوي
مهنة حرة ومربحة....و ليست بحاجة إلى انتماء حزبي أو نقابي
بعد ازدياد نسبة البطالة والعنوسه وارتفاع عدد الأرامل أعقاب عام 2003 بسبب أحداث العنف التي شهدها العراق. انتعشت بعض المهن وتكيفت لهذه الأحداث وكان منها (مهنة المُلاية) وهي مهنة حرة لجأت إليها الكثيرات بحثاً عن الرزق وسد فراغ البحث عن عمل, وأوجدت هذه المهنة من أحزان الناس مصدر لكسب الرزق ، ولا تحتاج هذه المهنة سوى القليل من الصوت الشجن والدموع ونوع من الحزن في التصرف والأداء, وكذلك سواد في الرداء, فهي مهنة تستغني عن الشهادة الدراسية والانتماء لحزب أو كيان أو نقابة, وإنما فقط القدرة البسيطة على القراءة وخبرة في الإنشاد, ناهيك عن كونها مهنة مربحة وتتمتع بالشهرة بين أطراف المجتمع والتقدير والاحترام, وتمتلك جمهور محب لها. لذا باتت مهنة الملاية في العراق تنافس مهنة المطرب المشهور في الدول العربية....
ست ساعات من النحيب مقابل (150) ألف دينار عراقي
شذى احمد/ موظفة وخريجة معهد تقول عند وفاة والدتي العزيزة أحببت أن اعبر عن مدى حزني على فراق والدتي, وأُكرِم مثواها جَلبتُ لها مُلاية طول أيام العزاء تنحب على والدتي وتبكينا واخترت لها مُلاية ذات صوت جهور ومعها رادوداتِها الثلاث الأتي كن يُنظمن طريقة النحيب وصوت اللطم ,فكن يصفقن وعلى صوت تصفيقهن تلطم النساء جباههن وجيادهن, وكانت طوال الثلاثة أيام تقرأ لمدة ساعتين متتاليتين, وأستلمت مقابل الست ساعات (150) ألف دينار عراقي كأجر لها, واني شكرت لها أدائها لان كل النساء الحاضرات أحببن صوتها وتنظيمها ونحيبها, فالمُلاية الجيدة هي التي تحرق جو الغرفة بالصراخ واللطم والشجن, وكانت أمرأه متمكنة وأحببت منها هذا ولم اكتفي بإعطائها النقود فقط, وإنما طعام الغداء لها ولعائلتها وكذلك عاملاتها. هذا غير ما تتبرع به النساء لها في المجلس إثناء أدائها للنشد الحزين.
(تتباهى البنات بجمال حفل حنائهن بأداء المُلاية)
زينب علي من مدينة النجف الأشرف تقول أنا اكبر أخواتي وأول بنت لامي تتزوج لهذا أحبت أمي أن تعبر عن فرحتها بزواجي فجلبت لي المُلاية في حفلة حنائي, وكانت حفلة لا تنسى وأعجبت الجميع, وأخذت عليها المُلاية اجر قراءتها للأناشيد (50) ألف دينار عراقي مقابل ثلاث ساعات إنشاد, وفي منطقتنا تتباهى البنات بأداء المُلاية في حنائهن, لهذا كانت هدية أمي لي بان جعلت حفل حنائي أتباه به أمام صديقاتي وجلبت لي أفضل مُلاية بالمنطقة. واستذكر حفلتي دائما حيث عملت لي المُلاية ما تسميه (بالجولة) وهي تغطيني بخيمة من القماش الأبيض لتأتي كل البنات اللاتي لم يتزوجن بعد والدخول تحت سقف هذه الخيمة معي ليلحقني بالزواج, وقامت لي بطقوس جميلة جدا ما زلت احتفظ ببعض من الأشياء التي وضعتها لي في صينية حنائي.
(لكل ملاية أسعارها حسب شهرتها)
العلوية أم صادق/ من سكنت الكاظمية عهدها الجميع وهي تحمل حقيبتها السوداء ومعها المايكروفون وأجهزة الإنشاد خاصتها, ودفترها القديم الذي تهرأ من كثر الاستعمال حتى أخذت تخيطه بقطع من القماش الأخضر, ومكتوب فيه كلمات الإنشاد بحجم كبير لان نظرها أصبح لا يسعفها على كتابة كلمات صغيرة, وهي مُلاية قديمة لكنها كانت قبل عام 2003 لا تلاقي هذا الرواج في العمل. ذلك لان النظام السابق كان يحد من مجالس العزاء الحسينية في شهر محرم وكان عملها يقتصر على مجالس العزاء للوفاة, ومجالس الفرح للزواج, والقليل من المجالس الحسينية التي كانت تقام في السر. تقول العلوية أم صادق بعد عام 2003 أصبح للناس الحرية في إقامة مجالس العزاء الحسينية في شهر محرم حزنا على أرواح أهل البيت الشهداء الطيبين الطاهرين عليهم السلام, واني حباً بأهل البيت لا اشترط مقدار المبلغ لقاء قراءتي لرثائهم, وإنما اقبل أي مبلغ تقدمه لي مقيمة عزاء أهل البيت. ولكن حتى يكفيني الوقت فلا أقراء أكثر من ساعتين حتى أتمكن من الذهاب إلى بيت أخر وأكمل القراءة على أهل البيت عليهم السلام جميعاً. واني امتهنت هذه المهنة عن أمي وكذلك حبا بأهل البيت عليهم السلام . لكن عملي لا يتوقف على شهر محرم, وإنما بعد شهر صفر تبدأ الإعراس, والكثير من النساء يقمن موالد نبوية في الحنة فاذهب وأقيم لهن حفل حنائهن بأناشيد إسلامية مفرحة, وهنا لا اقبل بأقل من 300 ألف دينار عراقي فالفرح ليس كالحزن. والحفل الذي يحوي على مُلاية يكون منظم أكثر, لأني اجعل للحفل طعم خاص يفرح الجميع وينسق الحفلة ويضيف معلومات دينية تذكر العروس بواجبها الديني أمام زوجها, ورزقي لا يتوقف على موسم واحد فقط فالحمد لله طوال السنة أقيم مجالس وأما أن تكون مجالس فرح أو تكون مجالس عزاء وبالطبع تكثر مجالس العزاء مع سوء الأوضاع الأمنية والكوارث. وأسعاري مقارنة بسمعتي في العمل ليست باهظة فلكل مُلاية أسعارها, صحيح هناك مُلايات قد تكون أجورهن زهيدة, ذلك لان أدائهن في الإنشاد يكون متواضع أو يكنَ مبتدءات أما في محرم فالمجالس الحسينية لأهل البيت عليهم السلام تكون حسب إمكانية مقيمة المجلس, والرزق والثواب على الله. وطبعا لكل مجلس له إنشاده الخاص به لهذا امتلك دفتر ورثته من أمي رحمها الله واكتب فيه كل هذه الأناشيد كلاً حسب مناسبته, وحباً بأمي جعلت هذا الدفتر كمثابة صدقة جارية على روحها, لهذا لا أجدده حباً بها وإكراماً لذكراها الطيبة فتجديه قديم جداً.
(الحضارة السومرية هي أول من استخدمت النواح والندب)
الكاتب علي فواز:- إن شخصية (المُلاية) تعد في الموروث الشعبي العراقي من الشخصيات التي تنتمي إلى تاريخ البكائيات والندب واستحضار الأحزان وهي شكل من أشكال المرأة الحكواتية التي تعد نقيض لشخصية الحكواتي, مثل ما إن شخصية (المُلاية) خلقت جدلاً حول توصيفها (فالمُلا) تعني في الموروث الشعبي هو رجل الدين الذي يعلم الأولاد والبنات القراءة والكتابة. وان المرأة حين أخذت شخصية المُلاية مارست دور ديني أكثر مما هو اجتماعي, والبعض يقول إن فكرة النواح والندب التي تمارسها المُلاية ينتمي إلى الموروث الأسطوري السومري الذي يرتبط بفكرة النواح على الإله (تموز) في قصة الخليقة البدائية. لكن تسمية المرأة في قراءتها المعاصرة ارتبطت بفكرة الندب على مقتل الإمام (الحسين) عليه السلام وهذا الندب ألابتعادي لقصة (الحسين) عليه السلام والتذكير بقصته التاريخية له محمولات اجتماعية وسياسية وثقافية, منها ما يرتبط بفكرة التقنية التي كانت تمارسها المُلاية بشفرة القدسية لتكريس خيال جمهورها الشعبي, ومنها ما يشتمل دور سياسي الذي تقوم به بعض المتعلمات في خلق المعارضة السياسية ضد السلطة الحاكمة. لكن الظاهر منها هو الرثاء والنواح على (آل البيت) عليهم السلام الذين استشهدوا سنة (61) للهجرة وتحولت طقوس المُلاية إلى طقوس روحية تكرس فكرة شرعية آل البيت ومظلوميتهم, والتي تمارس دور ديني تعبوي, ودور سردي حكواتي. ومن شروط هذه الشخصية أن تكون عارفة للقراءة والكتابة, لكي تتمكن من قراءة مقتل الإمام (الحسين) عليه السلام وال بيته الطيبين الطاهرين وان تستطيع إيصال الرسالة إلى جمهورها بطريقة مثيرة ومحببة وأمينة وبشكل عام إن شخصية المُلاية هي شخصية تاريخية تنتمي للإرث الحزين في الذاكرة العراقية وللأساطير التاريخية, وكذلك الذاكرة العربية والإسلامية, حيث كانت النساء تمارس النواح على القتلى في المعارك بدأ من معركة (داحس والغبراء) إلى قصة (الخنساء) ونواحها على أخيها (صخر) وصولا إلى التاريخ السياسي العراقي الذي كان حافل منذ إلف عام بالصراعات الدموية والتي تركت الكثير من الضحايا, خاصة ضحايا الحروب المذهبية والسياسية. والتي تحولت شخصية المُلاية إلى شخصية تعبيرية والى شخصية حكواتية ساردة للإحداث والى تاريخ شفاهي يمكن من خلاله معرفة الكثير من التاريخ المسكوت عنه في الثقافة العربية والإسلامية. وعلى الرغم من ارتباط فكرة المُلاية بالموروث الحسيني فان هناك ادوار مستحدثة, فبعض الملايات اللاتي يشاركن في المواليد فأنهن أيضاً يلجان إلى الموروث الديني كوظيفة مدح للرسول صلى الله عليه وسلم وتذكر آل بيته لشد الجمهور إلى الرسالة الإسلامية بمعانيها الإنسانية والبطولية, مثل ما يمارس بعضهن دور الندابات في المعارك حيث يبرزن أثار المتوفين من خلال مقارنتها أيضاً بالموروث الحسيني .وكعودة للتاريخ نجد في العراق إن الحضارة السومرية هي أول من استخدمت النواح والندب فكانت تمارس طقوس النواح في الأول من تموز من كل سنة, وهي بداية اختفاء الإله السومري (تموز) وهي قصة شبيهة في التاريخ السومري بقصة سيدنا الحسين عليه السلام. وبمقتل الإله تموز لدى السومريين حيث يختفي الخصب والنماء والسعادة , وكذلك مع الإمام الحسين يختفي الأمن والسعادة والنماء. وان أول المناطق في تاريخ السومريين مارست طقوس الندب على الإلهة تموز هي منطقة الوركاء ولكش وكانت تقيم طقوس النواح والندب والحزن. أما في الإسلام فأول من مارس الندب والحزن والنواح على الإمام الحسين عليه السلام هي الدولة الفاطمية وكذلك البويهيين لكن الفاطميين لم تكن لديهم شخصية المرأة المُلاية, وإنما كان لديهم مواليد نبوية يرددون فيها ويستذكرون فيها أهل البيت ومواقفهم واستشهاد الرموز الدينية لأهل البيت عليهم السلام. وبمرور الزمن أخذت المرأة تمارس دور النقل الشفهي لهذه الرموز حتى أصبحت المُلاية في عصرنا الحالي.