أخبار قناة الشمس

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

الناقد والكاتب " حبيب الحاج " في دراسة نقدية لنص " لأني أحبك " للشاعرة " سعاد حسن العتابي "

الناقد والكاتب " حبيب الحاج " في دراسة نقدية لنص " لأني أحبك " للشاعرة " سعاد حسن العتابي "
 





كلّ قصيدة هي أسطورة عشق..أسطورة خلق.. يضعها شاعر أو تضعها شاعرة لخلق العالم من جديد .
الناقد والكاتب " حبيب الحاج " في دراسة نقدية لنص " لأني أحبك "
للشاعرة " سعاد حسن العتابي "

لأني أحبـــــك ..
أينعتْ الورود .. في بلــدي
ولم يهدأ رذاذ المطر .. فرحاً
لأني أحبك ..
تبقى الحمائم تُدلّك وجه السماء
والفراش يرقص على نغم النسيم
لأني أحبك ..
تنصهر الفصول ويظهر فصلك أسطورة عشق
تزهو فيه ألوان الهوى قزحاً
وتُزهر براعم القصائد فواحة
لأني أحبك ..
صار لهمس السواقي نغما
تتمايل له الاغصان ولـهاً
لأني أحبك ..
يبقى الفلك يدور .. ويدور .. ويدور ...
.........................................................................................................
قراءة النص ...
كلّ قصيدة هي أسطورة عشق..أسطورة خلق..
يضعها شاعر أو تضعها شاعرة لخلق العالم من جديد.. وإن لم تكن كذلك فهي لا شيء.. والشاعر الفذ لا يستعيد أسطورة أو يستلهمها فقط، بل يكتب أسطورته، ليضع نفسه ويضعنا أبدا أمام ذواتنا في بداياتها.. بداياتها المتجدّدة التي لا تنتهي.. وأعظم تصوّر لهذه البدايات أن نكون ..أن يكون وجودنا أسطورة خلق.. أسطورة عشق، في ترابط عضوي بين الحبّ والخلق، علّة وغاية، فعلا وقصدا.. وكلّ أسطورة هي أسطورة حبّ وتكوين، وكلّ قصيدة هي قصيدة حبّ وتكوين..لإنسان خال ومخلوق أبدا، ولا ينتهي خلقه مادام وعيه بذاته يتنامى، ولا يتوقف ويتوارث وينتقل من جيل إلى جيل ومن شعب إلى شعوب ومن ثقافة إلى ثقافات ومن تجربة إلى تجارب، في إطار التنوّع والوحدة.. هكذا كان ويكون الشّعر الفذّ، وهكذا رأينا الشّاعرة سعاد حسن العتابي في نصّها هذا..ويتجلى هذا البعد الخلقي/التكويني في تكوين النص نفسه وهندسته الدّائرية..وأعمّ وجه تتجلّى فيه هذه الأسطوريّة التّكوينيّة فعلا أزليّا أبديّا مفتوحا، هو بنية العنوان، ومنزلته في النصّ من حيث هو مطلع ولازمة تحقّق للنص وحدته، وتدفعه للتّنامي، وتجعله مشدودا أبدا إلى المنشأ الأسطوريّ العميق الضّارب في الوجدان والتاريخ القديم للنّفس تعي جذورها وأصلها وبداياتها السّحيقة.. 1) الأسطوريّة العلّيّة..في البدء كان الحبّ..فكان الكون.. لأني أحبّـك .. هذا المركّب /العنوان في بنيته النّحويّة وموقعه لازمة للنّص، هو ما يمنح النّصّ هويّته ..تدويره أو دائريّته الحاملة للنّواة الدّلاليّة والجوهر الاسطوريّ الذي به يكون نصّا ويكون أسطورة ... فالتركيب العلّي /التعليليّ السببيّ (الأجليّة السببيّة) هو ما ينزّل الحبّ من حيث هو فعل كونيّ تكوينيّ منزلة العلّة الأولى أو العلّة الكبرى، وما عداها معلولات لها ونتائج، جملتها الكون والعالم والحياة والطّبيعة...وهو مركّب حرفيّ في محلّ المتمّم التّعليليّ الملحق بنواة الإسناد، ولكنّه يتقدّم ويتصدّر حتّى يصبح وكأنّه صدر الكلام وجوهره ونواته الأصليّة، وتتأخّر النّواة، لانّ ذاك هو الحاصل في تكوين العالم وانبثاقه عن فعل الحبّ.. وينبغي البحث في هذا المركّب في مستوى التّضمّن المنطقيّ لنصل إلى قضايا(منطقيّا) أساسيّة أولاها: "أنا أحبّك.." أي أنا أتحدّد أو أحدّد هويتي بفعل الحبّ أو حال الحبّ التي هي أنا..وحال الحبّ هي حال مفتوحة مطلقة (المضارع) لا نعلم لها بدءا ولا منتهى، لأنّها حال متجدّدة حاضرة، حضور الأسطورة في قاع الذّات وتجدّدها، تعبيرا عن النّزوع الأبديّ في الإنسان / الشّاعر إلى أصله الذي كان ويكون استعادة واكتشافا مستمرّا..وهذه الهويّة الرّاجعة بالإنسان إلى أصل عشقيّ خالق خلاّق أبدا، هي هويّة ألوهيّة ضرورة، تتمازج وتتفاعل في تشكيل تصوّرها في وجدان الشّاعرة وذاكرتها العقائديّة، روافد عدّة أهمّا الرّافد الأسطوريّ التّكوينيّ..ولئن طغت الآنية الزمانيّة في بنية هذا العنوان، فإنّها آنيّة إنّيّة تتكثّف فيها وبها الهويّة العشقيّة، وتنصهر في لحظة الحاضر لحظة المستقبل الاستعادي للحظة الماضي السّحيق الفاتن بسحر البدايات.. وبقدر ما تبرز في بنية هذه القضيّة (..أنّي أحبّك) الذّات المتكلّمة العاشقة الخالقة بفعل الحبّ، المنزّلة بذات الفعل منزلة الآلهة، تبرز الذّات المخاطبة (أحبّك...أنت..) متعلّقا للحبّ، ذا منزلة وحيدة، وهي أن ينزع إليه نزوع حبّ، وأن يقال له ذاك الحبّ كما تقال الدعوات والابتهالات...وبهذا التّركيب العجيب، يكون الخطاب خطاب خالقة /آلهة عاشقة لمخلوق، وخطاب مخلوق متعبّد عاشق لمعبود هوعلّة الكون والوجود حبّا وجمالا... 2) وتصل الشّاعرة هذا الوصل الأسطوريّ التّكوينيّ الجوهريّ (الحبّ والخلق) في كل مرّة مبرزة أثره وانتشاره في ظاهرة، هي حضور هذا الفعل في الطبيعة وفي الكون..فيتجلّى فعل الحبّ أوّلا في الطّبيعة ورودا يانعة نامية وماء يمنح الخصب والحياة: " لأني أحبّك... أينعتْ الورود .. في بلــدي ولم يهدأ رذاذ المطر .. فرحاً.." وهكذا تدخلنا الشّاعرة منذ البداية إلى صميم تجربة العشق الأسطوريّة التّكوينيّة، فكان كلّ ذلك رؤيا عشقيّة تعيد تشكيل العالم والطّبيعة لتكون جمالا وفرحا وطقسا مقدّسا واحتفالا كونيّا بالحبّ وللحبّ..ولسنا في حاجة للحفر عميقا لنعثر على " الماء" الأسطوريّ الرّاوي للشّاعرة ونصّها حتّى يخرج بهذا الوهج البدئيّ/البدائيّ السّاحر..ولم تكن هي في حاجة إلى رموز أسطوريّة صريحة لتبلغ قصدها، بل تشرّبت الرّموز الأسطوريّة وغذّت بها تجربتها، فجاءت بلا افتعال ولا إسقاط ولا ادّعاء واستعراضا لثقافة، كما يحصل في " أشعار " كثيرة...وبهذا نراها موفّقة بكلّ التمكّن والدّقّة في بناء الصّور، في نشر الفرح احتفالا نيسانيّا يحيي في الذّاكرة طقوس الحبّ والابتهال والابتهاج بالآلهة المانحة حبّا وماء وخصبا : "لأني أحبك .. تبقى الحمائم تُدلّك وجه السماء والفراشُ يرقصُ على نغم النسيم.." وكلّما تقدّمت بنا الشّاعرة داخل هذا الكون العشقيّ الجميل، ننتقل من الصّور البسيطة إلى الصّور المركّبة، ونكتشف وعي الشّاعرة أنّها تكتب " أسطورة عشق" وأنّ أسطورة العشق هي "أسطورة خلق"، وأنّ الخلق "كلمة" يقولها إله أو شاعر لتكون في الكون والعالم حياة..و"براعم الحياة" هي "براعم قصائد" و"براعم حبّ" أصلا وشرطا...وتبلغ الشّاعرة العاشقة درجة من الافتتان والتّقديس والتقدّس تمكّنها من رؤية الفصول فصلا واحدا، تجلّيا لوحدة الوجود وانصهار الأشياء والموجودات، تعبيرا عن وحدة الأصل والمنبثق..وتصبح الطّبيعة الغضّة المزهرة الفوّاحة والمزدهية بألوانها أبدا، معبدا واسعا للحبّ، ترتّل فيه القصائد أناشيد من الكتاب المقدّس للحبّ والخلق والخصب والجمال : "لأني أحبّك .. تنصهرُ الفصول ويظهُر فصلك أسطورة عشقٍ تزهو فيه ألوان الهوى قزحاً وتزهر براعم القصائد فواحة... " وكأنّ الشّاعرة قد استشعرت فعلها الشّعريّ والعشقيّ الأسطوريّ، ومدى انتشاره مفاهيم وقيما، فاختزلت ما نشرته في الصّور السّابقة، وجمعت فعل العشق في أثر رأته الأعمّ والأشمل، ألا وهو الأبد والبقاء متجلّيين في دورة الطّبيعة والكون، وانتظام تلك الدّورة حركة أبديّة كالسّكون، بل هي السّكون.. فما يدور ويدور ويدور هو صورة للامنتهى والأبد: "لأني أحبك .. يبقى الفلك يدور .. ويدور .. ويدور ...| وليس الأبد إلاّ " أسطورة عشق" تصل الأزل بالأبد، وتستعيد حقيقة البدايات السّاكنة الثّاوية في الأعماق...ولا سبيل إلى ذلك إلا بيقظة الإله النّائم في أعماق شاعر أو شاعرة.. وذاك ما كان من الشّاعرة...