هل يتّجه البطريرك الراعي إلى الإعتذار؟
قناة الدروب الفضائيه عندما زار البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي سوريا في شباط 2013، تعرّض لحملة قاسية من بعض قوى "14 آذار"، بلغت حدّ قول بعض الموارنة "إنّ البطريرك لا يُمَثلني"، من دون أنّ يُؤثّر ذلك على مواقف البطريرك اللاحقة من الأزمة السورية.
وفي الأسبوع الماضي وبعد قيام البطريرك الراعي بمرافقة قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس الأوّل في زيارته إلى الأراضي المقدّسة، تعرّض من جديد لحملة عنيفة، لكن هذه المرّة من بعض قوى "8 آذار"، لا سيّما منها "حزب الله" وشخصيات مؤيّدة له، بلغت حد وصف الزيارة بالسابقة الخطيرة وبالخطيئة التاريخية، مع تجرّؤ البعض على إتهام البطريرك "بتبرئة العملاء" ومطالبته بالإعتذار! فهل سيعتذر البطريرك الراعي عمّا قام به وعمّا أطلقه من مواقف؟
بداية، لا بد من الإشارة إلى أنّ البطريرك الماروني الذي تتسم شخصيّته بالعناد والحزم وحتى بالإنفعال في بعض الأحيان، لا يقوم بجولات وبخطوات غير مدروسة مُسبقاً، ولا يُطلق مواقف إرتجالية وعشوائية، كما يظنّ الكثيرون. بل إنّ كل تحرّكاته والمواضيع التي يتناولها في الإعلام مدروسة بشكل دقيق ومستفيض وتنمّ عن قناعة كاملة. وهو عندما قرّر زيارة الأراضي المقدّسة برفقة قداسة البابا، كان يُنَفّذ وبصفته إحدى أهمّ وأعلى المرجعيّات الكنسيّة في الشرق الأوسط، أجندة مرسومة بدقّة من قبل الدوائر العليا في الفاتيكان، لما فيه مصلحة المسيحيّين في الدول العربيّة وكامل منطقة الشرق الأوسط. وعندما قرّر لقاء اللبنانيّين الذين لجأوا قسراً إلى إسرائيل في العام 2000، كان يلتقيهم بصفتهم ضحايا إهمال الدولة اللبنانية، قبل الإحتلال الإسرائيلي للجنوب، وخلاله، وبعد الإنسحاب منه!
ويبدو أنّ البعض قد نَسِيَ سهواً أو تَنَاسى عمداً، أنّ مشكلة سكّان القرى الحدودية، لم تبدأ لا مع أنطوان لحد، ولا مع ما سُمّي "جيش لبنان الجنوبي"، بل قبل ذلك بكثير. وتحديداً بعد نحو سنة على بداية الحرب اللبنانية، في العاشر من آذار 1976، عندما شنّ مقاتلون فلسطينيّون هجوماً دموياً ساحقاً على مرجعيون، وحاولوا التقدّم إلى باقي القرى والبلدات المحيطة. عندها وفي خضم الإنقسام الطائفي والسياسي في لبنان، قرّر الكثير من سكّان تلك المنطقة الدفاع عن أعراضهم وعن ممتلكاتهم بأيّ وسيلة ممكنة، مع الإستعداد لتلقّي الأسلحة من أيّ مصدر أيّا يكن. وبعد المجازر المُروّعة التي إستهدفت أكثر من مدينة وبلدة من لبنان، ومنها مثلاً مدينة الدامور وبلدة الجيّة، وجد سُكان هذه المناطق الحدودية أنفسهم بين حدّي سيفين هما: إمّا القتل والتهجير على يد المنظّمات الفلسطينيّة والقوى اليسارية أو الإستعانة بالعدو للدفاع عن أنفسهم، علماً أنّه في السنوات الأولى للحرب كانت وحدات الجيش اللبناني الموجودة في المنطقة الحدودية، بقيادة الرائد سعد حداد، تتلقّى أوامرها ورواتبها من القيادة المركزيّة بشكل طبيعي. وحتى عند إنتهاء الحرب اللبنانية في تسعينات القرن الماضي، وجد الكثير من سكّان هذه القرى الحدودية الجنوبية أنفسهم بين فكّي كمّاشة، فمن جهة هم مطلوبون بمذكرات توقيف من قبل السلطات اللبنانية، ومن جهة أخرى كانوا مرغمين على الإلتحاق بقوات لحد بالقوّة تحت ستار الخدمة العسكرية الإجباريّة وإلا الطرد نهائياً من المنطقة. وعند إنسحاب قوات الإحتلال الإسرائيلي، فرّ الكثير ممّن لا علاقة لهم بكل هذه المشاكل والحروب، لأنهم خافوا من تهديد الذبح بالأسرّة الذي أطلقه آنذاك أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، من دون أن يعرفوا من المقصود به تماماً.
أكثر من ذلك، إنّ كلمة "تعامل" و"عملاء" لا يُمكن أن تكون إستنسابيّة، لأنّه في خضم الحرب اللبنانية، كان البلد مقسوماً والدولة عاجزة، والإتهامات بالعمالة كانت بالجملة من عملاء إسرائيل مروراً بعملاء أميركا وصولاً إلى عملاء سوريا وإيران. والحديث عن عدم إمكان مساواة العدوّ التاريخي بالشقيق ليس إلا تعمية للواقع الذي كان سائداً على مدى 15 سنة من الحرب. فكما أنّ قوّات الإحتلال الإسرائيلي ومن تعامل معها من قوى وسكّان محلّيين أقدموا على إرتكاب المجازر والإعتداءات الدموية بحقّ الكثير من اللبنانيّين، فإنّ قوّات الإحتلال الفلسطيني وكذلك قوات الإحتلال السوري ومن تعامل معهما من قوى وسكان محلّيين إرتكبوا أيضاً المجازر والإنتهاكات بحق الكثير من اللبنانييّن الآخرين. وفتح ملفّ الحرب والعمالة من زاوية واحدة ليس إلا تزويراً مستمراً للتاريخ وتضليلاً متواصلاً للحقيقة. وما تردُّد الكثيرين اليوم في الدفاع عن الهجمة الشرسة على البطريرك، إلا نتيجة وَهم "عقدة الذنب" الذي أدخله الإحتلال السوري في عقول المسيحيّين بعد سيطرته بالقوّة على ما كان يُعرف بالمنطقة الشرقيّة، وإختلال موازين القوى والقدرة على مواجهة إتهامات الآخرين.
والبطريرك الراعي الذي يُدرك كل هذه الوقائع، حاول عبر إعادة تحريك ملفّ نحو 3000 لبناني موجودين في الأراضي المحتلّة، طيّ صفحة الحرب وليس إعادة فتح الجراح كما حاول البعض القيام به. وقد سبق لبكركي أن رفضت مراراً وتكراراً تغطية أيّ مُرتكب، حيث دعت إلى محاكمات عادلة ضد كل من إستقوى بالإحتلال الإسرائيلي على أبناء بلده، لينال كل مرتكب من ميليشيات لحد جزاءه العادل، على الرغم من أنّ أيّ محاكمة لم تجر لأيّ شخص إستقوى في المقابل بالإحتلال السوري وارتكب الكثير من الإنتهاكات بحقّ أبرياء كُثر. ولا بدّ من التذكير أيضاً أنّ ثلثي عناصر ميليشيا لحد كانوا من غير المسيحيّين، وتحديداً من الشيعة مع بعض السنّة والدروز، والضباط الذين كانوا بأغلبيتهم من المسيحيّين تمكّنوا من الحصول على جوازات سفر إلى دول غربيّة مختلفة. وبالتالي، إنّ من يرغب البطريرك بعودتهم هم أبناء القرى الحدودية الذين لم يلوّثوا أيديهم بأي إرتكابات، لكن الظروف عاكستهم ووجدوا أنفسهم بموقع المتهمين فقط لمجرّد البقاء في منازلهم وقراهم! في الختام، وبحسب كل المعطيات الواردة من بكركي فإنّ من يَنتظر أن يقدّم البطريرك الراعي إعتذاراً سيَنتظر كثيراً، فهو قال كلمته، وأوضح غاياته وأهدافه أكثر من مرّة، إلى درجة لم يعد يجد معها مُوجباً بتقديم المزيد من الإيضاحات. وعلى من يُصرّ على الإستمرار بمهاجمة الراعي أن يتواضع قليلاً أوّلاً، وأن يفهم ثانياً أنّ لبنان ليس ملكه، بل يتقاسمه مع لبنانيين آخرين لا يُشاطرونه الرأي في كثير من المواضيع.
وفي الأسبوع الماضي وبعد قيام البطريرك الراعي بمرافقة قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس الأوّل في زيارته إلى الأراضي المقدّسة، تعرّض من جديد لحملة عنيفة، لكن هذه المرّة من بعض قوى "8 آذار"، لا سيّما منها "حزب الله" وشخصيات مؤيّدة له، بلغت حد وصف الزيارة بالسابقة الخطيرة وبالخطيئة التاريخية، مع تجرّؤ البعض على إتهام البطريرك "بتبرئة العملاء" ومطالبته بالإعتذار! فهل سيعتذر البطريرك الراعي عمّا قام به وعمّا أطلقه من مواقف؟
بداية، لا بد من الإشارة إلى أنّ البطريرك الماروني الذي تتسم شخصيّته بالعناد والحزم وحتى بالإنفعال في بعض الأحيان، لا يقوم بجولات وبخطوات غير مدروسة مُسبقاً، ولا يُطلق مواقف إرتجالية وعشوائية، كما يظنّ الكثيرون. بل إنّ كل تحرّكاته والمواضيع التي يتناولها في الإعلام مدروسة بشكل دقيق ومستفيض وتنمّ عن قناعة كاملة. وهو عندما قرّر زيارة الأراضي المقدّسة برفقة قداسة البابا، كان يُنَفّذ وبصفته إحدى أهمّ وأعلى المرجعيّات الكنسيّة في الشرق الأوسط، أجندة مرسومة بدقّة من قبل الدوائر العليا في الفاتيكان، لما فيه مصلحة المسيحيّين في الدول العربيّة وكامل منطقة الشرق الأوسط. وعندما قرّر لقاء اللبنانيّين الذين لجأوا قسراً إلى إسرائيل في العام 2000، كان يلتقيهم بصفتهم ضحايا إهمال الدولة اللبنانية، قبل الإحتلال الإسرائيلي للجنوب، وخلاله، وبعد الإنسحاب منه!
ويبدو أنّ البعض قد نَسِيَ سهواً أو تَنَاسى عمداً، أنّ مشكلة سكّان القرى الحدودية، لم تبدأ لا مع أنطوان لحد، ولا مع ما سُمّي "جيش لبنان الجنوبي"، بل قبل ذلك بكثير. وتحديداً بعد نحو سنة على بداية الحرب اللبنانية، في العاشر من آذار 1976، عندما شنّ مقاتلون فلسطينيّون هجوماً دموياً ساحقاً على مرجعيون، وحاولوا التقدّم إلى باقي القرى والبلدات المحيطة. عندها وفي خضم الإنقسام الطائفي والسياسي في لبنان، قرّر الكثير من سكّان تلك المنطقة الدفاع عن أعراضهم وعن ممتلكاتهم بأيّ وسيلة ممكنة، مع الإستعداد لتلقّي الأسلحة من أيّ مصدر أيّا يكن. وبعد المجازر المُروّعة التي إستهدفت أكثر من مدينة وبلدة من لبنان، ومنها مثلاً مدينة الدامور وبلدة الجيّة، وجد سُكان هذه المناطق الحدودية أنفسهم بين حدّي سيفين هما: إمّا القتل والتهجير على يد المنظّمات الفلسطينيّة والقوى اليسارية أو الإستعانة بالعدو للدفاع عن أنفسهم، علماً أنّه في السنوات الأولى للحرب كانت وحدات الجيش اللبناني الموجودة في المنطقة الحدودية، بقيادة الرائد سعد حداد، تتلقّى أوامرها ورواتبها من القيادة المركزيّة بشكل طبيعي. وحتى عند إنتهاء الحرب اللبنانية في تسعينات القرن الماضي، وجد الكثير من سكّان هذه القرى الحدودية الجنوبية أنفسهم بين فكّي كمّاشة، فمن جهة هم مطلوبون بمذكرات توقيف من قبل السلطات اللبنانية، ومن جهة أخرى كانوا مرغمين على الإلتحاق بقوات لحد بالقوّة تحت ستار الخدمة العسكرية الإجباريّة وإلا الطرد نهائياً من المنطقة. وعند إنسحاب قوات الإحتلال الإسرائيلي، فرّ الكثير ممّن لا علاقة لهم بكل هذه المشاكل والحروب، لأنهم خافوا من تهديد الذبح بالأسرّة الذي أطلقه آنذاك أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، من دون أن يعرفوا من المقصود به تماماً.
أكثر من ذلك، إنّ كلمة "تعامل" و"عملاء" لا يُمكن أن تكون إستنسابيّة، لأنّه في خضم الحرب اللبنانية، كان البلد مقسوماً والدولة عاجزة، والإتهامات بالعمالة كانت بالجملة من عملاء إسرائيل مروراً بعملاء أميركا وصولاً إلى عملاء سوريا وإيران. والحديث عن عدم إمكان مساواة العدوّ التاريخي بالشقيق ليس إلا تعمية للواقع الذي كان سائداً على مدى 15 سنة من الحرب. فكما أنّ قوّات الإحتلال الإسرائيلي ومن تعامل معها من قوى وسكّان محلّيين أقدموا على إرتكاب المجازر والإعتداءات الدموية بحقّ الكثير من اللبنانيّين، فإنّ قوّات الإحتلال الفلسطيني وكذلك قوات الإحتلال السوري ومن تعامل معهما من قوى وسكان محلّيين إرتكبوا أيضاً المجازر والإنتهاكات بحق الكثير من اللبنانييّن الآخرين. وفتح ملفّ الحرب والعمالة من زاوية واحدة ليس إلا تزويراً مستمراً للتاريخ وتضليلاً متواصلاً للحقيقة. وما تردُّد الكثيرين اليوم في الدفاع عن الهجمة الشرسة على البطريرك، إلا نتيجة وَهم "عقدة الذنب" الذي أدخله الإحتلال السوري في عقول المسيحيّين بعد سيطرته بالقوّة على ما كان يُعرف بالمنطقة الشرقيّة، وإختلال موازين القوى والقدرة على مواجهة إتهامات الآخرين.
والبطريرك الراعي الذي يُدرك كل هذه الوقائع، حاول عبر إعادة تحريك ملفّ نحو 3000 لبناني موجودين في الأراضي المحتلّة، طيّ صفحة الحرب وليس إعادة فتح الجراح كما حاول البعض القيام به. وقد سبق لبكركي أن رفضت مراراً وتكراراً تغطية أيّ مُرتكب، حيث دعت إلى محاكمات عادلة ضد كل من إستقوى بالإحتلال الإسرائيلي على أبناء بلده، لينال كل مرتكب من ميليشيات لحد جزاءه العادل، على الرغم من أنّ أيّ محاكمة لم تجر لأيّ شخص إستقوى في المقابل بالإحتلال السوري وارتكب الكثير من الإنتهاكات بحقّ أبرياء كُثر. ولا بدّ من التذكير أيضاً أنّ ثلثي عناصر ميليشيا لحد كانوا من غير المسيحيّين، وتحديداً من الشيعة مع بعض السنّة والدروز، والضباط الذين كانوا بأغلبيتهم من المسيحيّين تمكّنوا من الحصول على جوازات سفر إلى دول غربيّة مختلفة. وبالتالي، إنّ من يرغب البطريرك بعودتهم هم أبناء القرى الحدودية الذين لم يلوّثوا أيديهم بأي إرتكابات، لكن الظروف عاكستهم ووجدوا أنفسهم بموقع المتهمين فقط لمجرّد البقاء في منازلهم وقراهم! في الختام، وبحسب كل المعطيات الواردة من بكركي فإنّ من يَنتظر أن يقدّم البطريرك الراعي إعتذاراً سيَنتظر كثيراً، فهو قال كلمته، وأوضح غاياته وأهدافه أكثر من مرّة، إلى درجة لم يعد يجد معها مُوجباً بتقديم المزيد من الإيضاحات. وعلى من يُصرّ على الإستمرار بمهاجمة الراعي أن يتواضع قليلاً أوّلاً، وأن يفهم ثانياً أنّ لبنان ليس ملكه، بل يتقاسمه مع لبنانيين آخرين لا يُشاطرونه الرأي في كثير من المواضيع.