دراسة نقدية للناقد والكاتب ( حبيب الحاج ) في قصيدة " لهفة العيون " للشاعرة سعاد حسن العتابي .
سعاد حسن العتابي
الشّاعرة التي تخلق العالم..تخلق وطنا..
دراسة نقدية للناقد والكاتب ( حبيب الحاج ) في قصيدة " لهفة العيون "
للشاعرة سعاد حسن العتابي .
لهفة العيون .
لم يبقَ في الصبح مكان
.. نصفٌ يشغله طيفك
وقافلة حنيني تروي الغدير
المار على واحات الامنيات
ونصفٌ يعلّقني على جِيــد الحلم
نغم قيثارة
الريح تعرفني ...
وشجرة النخيل
وتلك الروح العاشقة
المنتظرة حطّت
واستنشقتْ خبز الصباح
ودَعتني
لنعيدَ تقويم الفرق بين الموت والولادة
ونداعب تناسل الفراش والورود
فنضمتها بقافية من لهفة العيون..
......................................................................................
الشّاعرة التي تخلق العالم..تخلق وطنا.. سليلة "أبّولو" والمتنبّي والسّيّاب، لا يمكن أن تكون إلاّ شاعرة آلهة، خالقة للمعنى، خالقة للعالم.. أخذت قيتارة "أبّولو" وصعدت جبل "الأولمب" لتنشد للعالم النور والشّمس والإيمان والفرح والطّهر والحبّ : " قيثارة الرّيح تعرفني.. وشجرة النخيل.." مركزا للكون هي، الشّاعرة، لا تعرف أو لا تحتاج أن تعرف، بل تُعرف لأنّها أصل المعرفة وموضوعها.. ورثت عن المتنبّي مركزيّته الذّاتيّة الإيمانيّة الخلاّقة.. ولم تعرف بيداءه ولا سيفه ولا رمحه، وعرفت قرطاسه وقلمه، وآخت بينه وبين أبّولو، واكتفت بقيثارة ونخلة من نخيل السيّاب، لتنشد وتفعل فعل الخلق.. وتقول ما تفعل.. 1) الصّباح الجديد..الشّابّي مؤنّثا... كان صباح..كان وطن.. ككلّ آلهة، في اليوم الأوّل خلقت النور بعد أن كان ظلام، فكان ليل ثمّ كان صباح، لأنّها أرادت الصّباح، فأعادت تشكيل الصّباح، وجعلته عنوانا وفضاء للوحة كبرى أو لصورة مركّبة، من وجدانها وخيالها تنبثق، ومن روحها العاشقة ووطنها المحبوب تغتذي وترتوي وتستمدّ مادّتها وعناصرها وخطوطها وألوانها: " لم يبق في الصّبح مكان.. نصفٌ يشغله طيفك وقافلة حنيني تروي الغدير المارّ على واحات الأمنيات ونصفٌ يعلّقني على جِيــد الحلم.." من وجدانها ينبثق النّور "طيفك.." فيبدّد ديجور الغربة..والطّيف هو ما يُرى أو يتراءى، فيرتدّ الموضوع إلى أصله ومصدره، وهو رؤية العالم ومدى قدرة الشّاعر(ة) على إعادة بنائه أو بنائه إن رآه آيلا إلى العدم..والطّيف في منطق اللّغة والشّعر هو الخيال الذي يحلّ محلّ صاحب الطّيف يطيف في منام أو في يقظة وجدانيّة شعريّة تلهم، فتنشئ، فتقول للبعيد كن فيكون..ثمّ دعت "قافلة الحنين" حنينها، فروّت " الغدير المارّ على واحات الأمنيات.." فاكتملت لوحة لرسم نصف الصّبح الأوّل..ولا تملك إلاّ أن تدهش للخلق التّصويريّ التّشكيليّ الواسم للصّورة الشّعريّة بالتّركيب والقدرة على تنزيل الكلمات تنزيلا مفاجئا غير متوقّع، فجاء كاسرا لمنطق التّنزيل اللّفظيّ المألوف على محوريْ الاختيار والتّوزيع..وليس الشّعر غير هذه القدرة أو "اللّعبة" الشّاقّة الخلاّقة الذّاهبة إلى أقاصي التّدلال..ولك في هذا القول الشّعريّ ما يؤكّد وعي الشّاعرة وإحساسها بمنزلة اللّغة معجما وتركيبا في الإنشاء الشّعريّ تصويرا وتشكيلا وإيحاء وتخييلا: نصفٌ يشغله طيفك وقافلة حنيني تروي الغدير المارّ على واحات الأمنيات... فقد كثّفت الضّوء، وغمرت به اللّوحة، إذ النّور والبياض عنصر مشترك بين الصّبح والطّيف، أو هما عنصر مُماه بينهما، فإذا هو هو، وكلاهما نور..وشكّلت للحنين قافلة، إيحاء بالكثرة، فقرّبت بين متباعدين وألّفت بين مختلفين(حنين/قافلة) فأوحت بقوة الحنين وحركته وصلته ببيئة ما، قد تكون من متعلّقاته.. وعزوفا عن الصّور التّقليديّة البسيطة، ونزوعا إلى التّركيب والتّشكيل والتّأليف بين عناصر كثيرة، شغلت فضاء الصّورة او اللّوحة الشّعريّة بعلاقتين عجيبتين، هما من نتائج البحث والتّخيّل، استقصاء للعلاقات الممكنة توزيعيّا بين الكلمات، وعملا على أن تسهم هذه العمليّة التّوليديّة في إنتاج المعنى الشّعريّ: "وقافلة حنيني تروي الغدير..." وانظرْ كيف ينبثق كلّ شيء عنها، عن حنينها..وكيف قلبت العلاقة بين ما يروي وما يُروى في مألوف العلاقات والتّمثّلات، وكيف فصلت بين الحنين والظّمأ، ووصلت بينه وبين الارتواء حتى أصبح حاملا محقّقا للارتواء..وكيف ينتقل الغدير من الثّبات إلى الحركة ليروي بعد أن ارتوى: "المارّ على واحات الأمنيات..." فتتكامل عناصر اللّوحة نصفها: ضوء وطيف وقافلة وماء وغدير وواحات..بعضها حاضر مولّد ملهم خالق (الطيف والنور والحنين والأمنيات..) وبعضها غائب مستحضر، مادّة حسّيّة للتّصوير، موضوعا للحنين والشّوق، بعضا من وطن أو صورة له أو رمزا (الغدير، القافلة، الواحات..).. وبعد أن صوّرت وأنشأت "نصف الصّبح" أو نصف النّور، ظلّت في حاجة إلى ما به تنشئ النّصف الثّاني، فدعت الحلم ليكون ثالث ثلاثة في بناء هذه الصّورة: الحنين والأمنيات والحلم.. .." ونصفٌ يعلّقني على جِيــد الحلم.." فتستثمر في الصّبح زمنيّته باعتباره عندها زمنا للحلم يستحيل غادة أو حسناء.. وإذا الشّاعرة طوقا أو عقدا يزيّن جيدها..أو هي عشتار تمنح الشّمس ونور الصّباح بهاءهما..فينضاف معنى شعريّ جديد هو الجمال ينبثق من الباطن ليطفو ويفيض على العالم، فإذا هو كون جميل رغم الغربة... وبذلك تكتمل الصّورة، ويكتمل الصّباح، ويشعّ نوره في كيانها وفي العالم فرحا وتفاؤلا وإيمانا ويقينا وعشقا.. 2) الرّوح العاشقة.. إعادة تقويم الفرق بين الموت والولادة... تتآلف العناصر الثّلاثة التي كانت محورا أو محاور للّوحة الأولى، ونعني بها الحنين والحلم والأمنيات، لتنصهر في كيان هو كيان الشّاعرة " روحا عاشقة.." متجرّدة من كلّ مقوّم آخر.. ولم لم تكن روحا عاشقة لما كانت قادرة على الحنين والحلم والتّمنّي، وعلى الخلق..خلق الشّعر كونا، ليكون العالم..كما تريده الرّوح العاشقة.. من ذاتها اشتقّت روحا عاشقة، وعنها فصلتها، فانفصلت لضرورة التّصوير، لأنّها هي: .."وتلك الرّوح العاشقة.. وبين السّكون (المنتظرة) والحركة (حطّت) كان لها ما أرادت، فاستنشقت "خبز الصّباح.." وحلّت في الوطن أو حلّ الوطن فيها، وكانت المعجزة الحلوليّة العشقيّة المشروطة بالحنين والشوق والحلم والانتظار: .."المنتظرة حطّت واستنشقتْ خبز الصّباح.." وامتدّت قدرة الشّاعرة /الآلهة، وقد استحالت روحا عشتاريّة عاشقة، لتبعث من مات وما مات..وفي نفَس سيّابيّ تمّوزيّ، واستعادة تجديديّة لجدليّة الموت والانبعاث، بشّرت بميلاد الوطن من رحم الموت : .."ودَعتني لنعيدَ تقويم الفرق بين الموت والولادة ونداعب تناسل الفراش والورود.." 3) نظم اللّهفة... نشوة النّظم... وعلى سبيل البيان الشّعري المختزل والمتوّج لهذا النّصّ، وصلت الشّاعرة بين ذاتها (الرّوح العاشقة) والقول الشّعريّ المنجز حضورا لتلك الرّوح شوقا ولهفة في العيون تنبعث منها الأشياء وتكون الصّور ويتشكّل العالم : .." فنظمتها بقافية من لهفة العيون.." وفعلت ذلك في إشارة إلى مفهومين : إيقاعيّ( قافية) ونحويّ تركيبيّ بلاغيّ إيقاعيّ(النّظم في نظريّة عبد القاهر الجرجاني..) واستعادة معاصرة لهما وتجديد لمعنييهما، فجعلتهما موسومين بذاتها شوقا يحدّد الإيقاع في الدّاخل والخارج... وحين بلغت جدليّة الفراغ والامتلاء مبلغها، وكانت هي الامتلاء النّافي والحاضن لكلّ فراغ، بلغت "النّشوة" عشقا وابتهاجا وانتصارا واقتدارا: .. "وعانقتُ الفراغ المنفلت مني ملأتهُ بي وانتشيت.." وحال النّشوة حال عشقيّة صوفيّة تقترن بالسّرور حين يصل المحبّ، وقد سكر بحبّ محبوبه، وسكنه وبه اتّحد، وإيّاه كان... وهذه حال الشّاعرة، وقد كتبت في الغربة والحنين، فلم تكتب بكاء ولا رثاء، ولا فخرا ولا تمجيدا ولا هجاء، بل كتبت روحا عاشقة سكرى بحبّ الوطن أرضا وتاريخا وأسطورة وذاكرة وبشرا ونخيلا...
الشّاعرة التي تخلق العالم..تخلق وطنا..
دراسة نقدية للناقد والكاتب ( حبيب الحاج ) في قصيدة " لهفة العيون "
للشاعرة سعاد حسن العتابي .
لهفة العيون .
لم يبقَ في الصبح مكان
.. نصفٌ يشغله طيفك
وقافلة حنيني تروي الغدير
المار على واحات الامنيات
ونصفٌ يعلّقني على جِيــد الحلم
نغم قيثارة
الريح تعرفني ...
وشجرة النخيل
وتلك الروح العاشقة
المنتظرة حطّت
واستنشقتْ خبز الصباح
ودَعتني
لنعيدَ تقويم الفرق بين الموت والولادة
ونداعب تناسل الفراش والورود
فنضمتها بقافية من لهفة العيون..
......................................................................................
الشّاعرة التي تخلق العالم..تخلق وطنا.. سليلة "أبّولو" والمتنبّي والسّيّاب، لا يمكن أن تكون إلاّ شاعرة آلهة، خالقة للمعنى، خالقة للعالم.. أخذت قيتارة "أبّولو" وصعدت جبل "الأولمب" لتنشد للعالم النور والشّمس والإيمان والفرح والطّهر والحبّ : " قيثارة الرّيح تعرفني.. وشجرة النخيل.." مركزا للكون هي، الشّاعرة، لا تعرف أو لا تحتاج أن تعرف، بل تُعرف لأنّها أصل المعرفة وموضوعها.. ورثت عن المتنبّي مركزيّته الذّاتيّة الإيمانيّة الخلاّقة.. ولم تعرف بيداءه ولا سيفه ولا رمحه، وعرفت قرطاسه وقلمه، وآخت بينه وبين أبّولو، واكتفت بقيثارة ونخلة من نخيل السيّاب، لتنشد وتفعل فعل الخلق.. وتقول ما تفعل.. 1) الصّباح الجديد..الشّابّي مؤنّثا... كان صباح..كان وطن.. ككلّ آلهة، في اليوم الأوّل خلقت النور بعد أن كان ظلام، فكان ليل ثمّ كان صباح، لأنّها أرادت الصّباح، فأعادت تشكيل الصّباح، وجعلته عنوانا وفضاء للوحة كبرى أو لصورة مركّبة، من وجدانها وخيالها تنبثق، ومن روحها العاشقة ووطنها المحبوب تغتذي وترتوي وتستمدّ مادّتها وعناصرها وخطوطها وألوانها: " لم يبق في الصّبح مكان.. نصفٌ يشغله طيفك وقافلة حنيني تروي الغدير المارّ على واحات الأمنيات ونصفٌ يعلّقني على جِيــد الحلم.." من وجدانها ينبثق النّور "طيفك.." فيبدّد ديجور الغربة..والطّيف هو ما يُرى أو يتراءى، فيرتدّ الموضوع إلى أصله ومصدره، وهو رؤية العالم ومدى قدرة الشّاعر(ة) على إعادة بنائه أو بنائه إن رآه آيلا إلى العدم..والطّيف في منطق اللّغة والشّعر هو الخيال الذي يحلّ محلّ صاحب الطّيف يطيف في منام أو في يقظة وجدانيّة شعريّة تلهم، فتنشئ، فتقول للبعيد كن فيكون..ثمّ دعت "قافلة الحنين" حنينها، فروّت " الغدير المارّ على واحات الأمنيات.." فاكتملت لوحة لرسم نصف الصّبح الأوّل..ولا تملك إلاّ أن تدهش للخلق التّصويريّ التّشكيليّ الواسم للصّورة الشّعريّة بالتّركيب والقدرة على تنزيل الكلمات تنزيلا مفاجئا غير متوقّع، فجاء كاسرا لمنطق التّنزيل اللّفظيّ المألوف على محوريْ الاختيار والتّوزيع..وليس الشّعر غير هذه القدرة أو "اللّعبة" الشّاقّة الخلاّقة الذّاهبة إلى أقاصي التّدلال..ولك في هذا القول الشّعريّ ما يؤكّد وعي الشّاعرة وإحساسها بمنزلة اللّغة معجما وتركيبا في الإنشاء الشّعريّ تصويرا وتشكيلا وإيحاء وتخييلا: نصفٌ يشغله طيفك وقافلة حنيني تروي الغدير المارّ على واحات الأمنيات... فقد كثّفت الضّوء، وغمرت به اللّوحة، إذ النّور والبياض عنصر مشترك بين الصّبح والطّيف، أو هما عنصر مُماه بينهما، فإذا هو هو، وكلاهما نور..وشكّلت للحنين قافلة، إيحاء بالكثرة، فقرّبت بين متباعدين وألّفت بين مختلفين(حنين/قافلة) فأوحت بقوة الحنين وحركته وصلته ببيئة ما، قد تكون من متعلّقاته.. وعزوفا عن الصّور التّقليديّة البسيطة، ونزوعا إلى التّركيب والتّشكيل والتّأليف بين عناصر كثيرة، شغلت فضاء الصّورة او اللّوحة الشّعريّة بعلاقتين عجيبتين، هما من نتائج البحث والتّخيّل، استقصاء للعلاقات الممكنة توزيعيّا بين الكلمات، وعملا على أن تسهم هذه العمليّة التّوليديّة في إنتاج المعنى الشّعريّ: "وقافلة حنيني تروي الغدير..." وانظرْ كيف ينبثق كلّ شيء عنها، عن حنينها..وكيف قلبت العلاقة بين ما يروي وما يُروى في مألوف العلاقات والتّمثّلات، وكيف فصلت بين الحنين والظّمأ، ووصلت بينه وبين الارتواء حتى أصبح حاملا محقّقا للارتواء..وكيف ينتقل الغدير من الثّبات إلى الحركة ليروي بعد أن ارتوى: "المارّ على واحات الأمنيات..." فتتكامل عناصر اللّوحة نصفها: ضوء وطيف وقافلة وماء وغدير وواحات..بعضها حاضر مولّد ملهم خالق (الطيف والنور والحنين والأمنيات..) وبعضها غائب مستحضر، مادّة حسّيّة للتّصوير، موضوعا للحنين والشّوق، بعضا من وطن أو صورة له أو رمزا (الغدير، القافلة، الواحات..).. وبعد أن صوّرت وأنشأت "نصف الصّبح" أو نصف النّور، ظلّت في حاجة إلى ما به تنشئ النّصف الثّاني، فدعت الحلم ليكون ثالث ثلاثة في بناء هذه الصّورة: الحنين والأمنيات والحلم.. .." ونصفٌ يعلّقني على جِيــد الحلم.." فتستثمر في الصّبح زمنيّته باعتباره عندها زمنا للحلم يستحيل غادة أو حسناء.. وإذا الشّاعرة طوقا أو عقدا يزيّن جيدها..أو هي عشتار تمنح الشّمس ونور الصّباح بهاءهما..فينضاف معنى شعريّ جديد هو الجمال ينبثق من الباطن ليطفو ويفيض على العالم، فإذا هو كون جميل رغم الغربة... وبذلك تكتمل الصّورة، ويكتمل الصّباح، ويشعّ نوره في كيانها وفي العالم فرحا وتفاؤلا وإيمانا ويقينا وعشقا.. 2) الرّوح العاشقة.. إعادة تقويم الفرق بين الموت والولادة... تتآلف العناصر الثّلاثة التي كانت محورا أو محاور للّوحة الأولى، ونعني بها الحنين والحلم والأمنيات، لتنصهر في كيان هو كيان الشّاعرة " روحا عاشقة.." متجرّدة من كلّ مقوّم آخر.. ولم لم تكن روحا عاشقة لما كانت قادرة على الحنين والحلم والتّمنّي، وعلى الخلق..خلق الشّعر كونا، ليكون العالم..كما تريده الرّوح العاشقة.. من ذاتها اشتقّت روحا عاشقة، وعنها فصلتها، فانفصلت لضرورة التّصوير، لأنّها هي: .."وتلك الرّوح العاشقة.. وبين السّكون (المنتظرة) والحركة (حطّت) كان لها ما أرادت، فاستنشقت "خبز الصّباح.." وحلّت في الوطن أو حلّ الوطن فيها، وكانت المعجزة الحلوليّة العشقيّة المشروطة بالحنين والشوق والحلم والانتظار: .."المنتظرة حطّت واستنشقتْ خبز الصّباح.." وامتدّت قدرة الشّاعرة /الآلهة، وقد استحالت روحا عشتاريّة عاشقة، لتبعث من مات وما مات..وفي نفَس سيّابيّ تمّوزيّ، واستعادة تجديديّة لجدليّة الموت والانبعاث، بشّرت بميلاد الوطن من رحم الموت : .."ودَعتني لنعيدَ تقويم الفرق بين الموت والولادة ونداعب تناسل الفراش والورود.." 3) نظم اللّهفة... نشوة النّظم... وعلى سبيل البيان الشّعري المختزل والمتوّج لهذا النّصّ، وصلت الشّاعرة بين ذاتها (الرّوح العاشقة) والقول الشّعريّ المنجز حضورا لتلك الرّوح شوقا ولهفة في العيون تنبعث منها الأشياء وتكون الصّور ويتشكّل العالم : .." فنظمتها بقافية من لهفة العيون.." وفعلت ذلك في إشارة إلى مفهومين : إيقاعيّ( قافية) ونحويّ تركيبيّ بلاغيّ إيقاعيّ(النّظم في نظريّة عبد القاهر الجرجاني..) واستعادة معاصرة لهما وتجديد لمعنييهما، فجعلتهما موسومين بذاتها شوقا يحدّد الإيقاع في الدّاخل والخارج... وحين بلغت جدليّة الفراغ والامتلاء مبلغها، وكانت هي الامتلاء النّافي والحاضن لكلّ فراغ، بلغت "النّشوة" عشقا وابتهاجا وانتصارا واقتدارا: .. "وعانقتُ الفراغ المنفلت مني ملأتهُ بي وانتشيت.." وحال النّشوة حال عشقيّة صوفيّة تقترن بالسّرور حين يصل المحبّ، وقد سكر بحبّ محبوبه، وسكنه وبه اتّحد، وإيّاه كان... وهذه حال الشّاعرة، وقد كتبت في الغربة والحنين، فلم تكتب بكاء ولا رثاء، ولا فخرا ولا تمجيدا ولا هجاء، بل كتبت روحا عاشقة سكرى بحبّ الوطن أرضا وتاريخا وأسطورة وذاكرة وبشرا ونخيلا...