الحياة الأدبية في ليبيا --اريج خطاب عن الاهرام
ظلت الحياة الأدبية في ليبيا مقصورة على لون واحد هو الشعر التقليدي بموضوعاته المكررة وقوالبه القديمة الجامدة، فلم تعرف الفنون الأدبية الحديثة إلا في فترة الثلاثينيات من القرن الماضي عندما صدرت (مجلة ليبيا المصورة)سنة 1935م، التي فتحت أمام الأقلام الناشئة مجال الكتابة.
ظهرت على صفحات هذه المجلة عدة محاولات لكتابة القصة القصيرة كانت في بداياتها أشبه بالمقال الاجتماعي أكثر من القصة القصيرة، لكن أفضل ما أحدثته هذه المقالات القصصية أنها شجعت الكتاب الناشئين على الكتابة مما حدا بالمجلة أن تخصص لها (أي الكتابة) بابا شهريا ثابتًا.
مر الشعب الليبي بمراحل تاريخية صعبة أخرت نموه الاجتماعي والثقافي وحصرته في دائرة التخلف عدة قرون بدءًا من الحكم العثماني إلي الاستعمار الإيطالي، فلم يستطع أن يلحق بالنهضة الثقافية والفكرية التي شهدتها معظم أقطار الوطن العربي منذ أواخر القرن التاسع عشر، فقد أجهض الاحتلال الإيطالي البداية الواعدة للحركة الثقافية التي بدأت بظهور الصحافة في ليبيا في أواخر القرن التاسع عشر.
لكن مع رحيل إيطاليا عن أرض الوطن، وقيام الإدارة البريطانية 1943-1951م. سمح بصدور الصحف فصدر عدد من الصحف الأهلية، وازداد عددها في عهد الاستقلال، واستجابت هذه الصحف للروح الأدبية للعصر، فأفردت في صفحاتها براحات واسعة للقصة القصيرة، وأقبل كثير من المتعلمين علي كتابتها، وبدأت تكسب ملامحها الفنية وتتخلص تدريجيا من بساطة البداية.
شهد عام 1957م صدور أول مجموعة قصصية في كتاب مطبوع للقاص عبدالقادر أبو هرّوس بعنوان (نفوس حائرة)، ولم تكن هذه المجوعة تستوفي الشروط الفنية للقصة القصيرة، وهو ما اعترف به الكاتب نفسه، حيث كتب في مقدمتها (أحب أن أبين للقارئ الكريم وأضغط على كلمة صور التي يروقني استعمالها أكثر من لفظة قصص التي ربما يتبادر للذهن أن ما في الكتاب هو مجموعة فنية منها.
وعلى الرغم من التطور الذي لامس الحياة الاجتماعية والثقافية بعد الاستقلال، والانفتاح على الأقطار العربية بخاصة مصر التي أصبح لها تأثير فكري وسياسي وثقافي بعد ثورة يوليو 1952م، ونظر إليها من قبل معظم الليبيين على أنها نموذج المستقبل، فإنه لم تظهر للمرأة الليبية مشاركة فاعلة في مجال الثقافة قبل سنة 1958م حيث أصدرت السيدة زعيمة سليمان الباروني مجموعة من المقالات القصصية بعنوان (لقصص القومي).
وجاءت هذه البداية المتواضعة من نقطة متأخرة كان قد تجاوزها الكتاب اللذين مارسوا كتابة القصة القصيرة في زمن مبكر كوهبي البوري مثلا،لكن الضعف الفني في قصص هذه المجموعة لا ينفي عن الكاتبة صفة الريادة في هذا المجال بوصفها أول امرأة تجرأت علي المحظور.
وفي أواخر الستينات من القرن الماضي انتعشت الحياة الثقافية، وانبعثت حركة أدبية وليدة (أخذت تشق طريقها حيية خجلة، في ظروف صعبة وقاسية، تتأصل وتتجذر وتعطي الظل والثمر). وبرزت في الساحة الأدبية بعض الأقلام النسائية لكن هذا التحول علي أهميته لم يكن ذا أثر كبير في واقع المرأة الليبية فقد بقيت خاضعة لقسوة التقاليد البالية، والعادات المتخلفة (والمعايير الاجتماعية الثابتة والجامدة التي تسير الفتاة الليبية وتقف- في كثير من الأحيان - عائقا في سبيل تحقيقها لأهدافها.
وأكد هذه الحقيقة علميا أحد الدارسين حيث قام بدراسة لأربع قصص قصيرة كتبتها أربع فتيات متقاربات في السن، وانتهى إلى نتيجة تفيد بتحكم الموروث الاجتماعي من العادات والتقاليد والأحكام الجاهزة في عقلية الفتاة الليبية،وفي نظرتها للمستقبل، وفي علاقتها بالرجل،وغيرها من أمور الحياة وشؤون المجتمع.
وتؤكد هذه النتيجة أن حرية المرأة لن تتحقق إلا إذا تمردت علي الثقافة السائدة ،وعلي أنماط الكتابة التي تحدد مشيتها، وتشعرها بالدونية وتعمل على إقصائها عن حركة الحياة وتقلل من شأنها وتحط من قدرها، فالثقافة السائدة ثقافة ذكوريّة تقوم علي التمييز بين الرجل والمرأة،وتدفع بالمرأة إلي التغرب عن واقعها وإغرائها بالوقوع تحت هيمنة ثقافته لتتقبل قيمه وسلوكه ،ونظرته للحياة،وبعبارة مختصرة فإنه يجندها ضد نفسها.
وعلى الرغم من ضآلة مساهمة المرأة في المجال الأدبي، وفي مجال القصة بصورة خاصة فإن فترة السبعينات شهت صدور بعض المجموعات القصصية القصيرة، مثلما شهدت فترة الثمانينات صدور بعض الدواوين الشعرية، لكن نشر هذه المجموعات والدواوين في كتاب لا يعني أن تاريخ النشر هو تاريخ الإنتاج فمعظم تلك القصص وكثير من القصائد قد نشرت في الصحف والمجلات قبل نشرها في كتاب بوقت طويل.
أما فن الرواية فقد تأخر ظهوره في ليبيا كثيرا مقارنة بمعظم الأقطار العربية حيث يذكر الدكتور الصيد أبوديب أن (أول رواية ليبية أصدرت مدينة طرابلس بشأنها شهادة ميلاد فهي بعنوان (وتغيرت الحياة) للكاتب الليبي محمد فريد سيالة نشرت علي حلقات في مجلة (هنا طرابلس الغرب)في أواخر عام 1957م.
ونشر الكاتب نفسه رواية ثانية بعنوان (الحياة صراع) في المجلة نفسها علي خمس حلقات كانت أخرها بالعدد 55 وأتبع هاتين الروايتين برواية ثالثة بعنوان (اعترافات إنسان) نشرت أولا على حلقات في مجلة هنا طرابلس ثم نشرت في كتاب سنة 1961م.
وشهد العقد السادس حضورا ملحوظا للرواية الليبية المطبوعة في كتاب مثلما شهد أيضا ظهور كاتبين جديدين هما محمد علي عمر الذي أصدر رواية (أقوي من الحرب)سنة 1962م ورواية (حصار الكوف) سنة 1964م،وسعد عمر غفير سالم الذي أصدر رواية (غروب بلا شروق)سنة 1968م ،وسجل هذا العقد أيضا ظهور أول رواية نسائية للكاتبة مرضية النعاس بعنوان (شيء من الدفء)نشرت أولي حلقاتها في مجلة المرأة في 5/12 /1968م.
وفي العقد السابع والذي يليه تسارعت وتيرة الراويات وتتالت أسماء عدة منها شريفة القيادي وقد مثلت ومرضية النعاس الجيل الأول ونجوى بن شتوان من بعدها ممن مثلن الجيل الثاني.
-----
أريج خطاب
(كاتبة وأكاديمية ليبية مقيمة في مصر)
ظهرت على صفحات هذه المجلة عدة محاولات لكتابة القصة القصيرة كانت في بداياتها أشبه بالمقال الاجتماعي أكثر من القصة القصيرة، لكن أفضل ما أحدثته هذه المقالات القصصية أنها شجعت الكتاب الناشئين على الكتابة مما حدا بالمجلة أن تخصص لها (أي الكتابة) بابا شهريا ثابتًا.
مر الشعب الليبي بمراحل تاريخية صعبة أخرت نموه الاجتماعي والثقافي وحصرته في دائرة التخلف عدة قرون بدءًا من الحكم العثماني إلي الاستعمار الإيطالي، فلم يستطع أن يلحق بالنهضة الثقافية والفكرية التي شهدتها معظم أقطار الوطن العربي منذ أواخر القرن التاسع عشر، فقد أجهض الاحتلال الإيطالي البداية الواعدة للحركة الثقافية التي بدأت بظهور الصحافة في ليبيا في أواخر القرن التاسع عشر.
لكن مع رحيل إيطاليا عن أرض الوطن، وقيام الإدارة البريطانية 1943-1951م. سمح بصدور الصحف فصدر عدد من الصحف الأهلية، وازداد عددها في عهد الاستقلال، واستجابت هذه الصحف للروح الأدبية للعصر، فأفردت في صفحاتها براحات واسعة للقصة القصيرة، وأقبل كثير من المتعلمين علي كتابتها، وبدأت تكسب ملامحها الفنية وتتخلص تدريجيا من بساطة البداية.
شهد عام 1957م صدور أول مجموعة قصصية في كتاب مطبوع للقاص عبدالقادر أبو هرّوس بعنوان (نفوس حائرة)، ولم تكن هذه المجوعة تستوفي الشروط الفنية للقصة القصيرة، وهو ما اعترف به الكاتب نفسه، حيث كتب في مقدمتها (أحب أن أبين للقارئ الكريم وأضغط على كلمة صور التي يروقني استعمالها أكثر من لفظة قصص التي ربما يتبادر للذهن أن ما في الكتاب هو مجموعة فنية منها.
وعلى الرغم من التطور الذي لامس الحياة الاجتماعية والثقافية بعد الاستقلال، والانفتاح على الأقطار العربية بخاصة مصر التي أصبح لها تأثير فكري وسياسي وثقافي بعد ثورة يوليو 1952م، ونظر إليها من قبل معظم الليبيين على أنها نموذج المستقبل، فإنه لم تظهر للمرأة الليبية مشاركة فاعلة في مجال الثقافة قبل سنة 1958م حيث أصدرت السيدة زعيمة سليمان الباروني مجموعة من المقالات القصصية بعنوان (لقصص القومي).
وجاءت هذه البداية المتواضعة من نقطة متأخرة كان قد تجاوزها الكتاب اللذين مارسوا كتابة القصة القصيرة في زمن مبكر كوهبي البوري مثلا،لكن الضعف الفني في قصص هذه المجموعة لا ينفي عن الكاتبة صفة الريادة في هذا المجال بوصفها أول امرأة تجرأت علي المحظور.
وفي أواخر الستينات من القرن الماضي انتعشت الحياة الثقافية، وانبعثت حركة أدبية وليدة (أخذت تشق طريقها حيية خجلة، في ظروف صعبة وقاسية، تتأصل وتتجذر وتعطي الظل والثمر). وبرزت في الساحة الأدبية بعض الأقلام النسائية لكن هذا التحول علي أهميته لم يكن ذا أثر كبير في واقع المرأة الليبية فقد بقيت خاضعة لقسوة التقاليد البالية، والعادات المتخلفة (والمعايير الاجتماعية الثابتة والجامدة التي تسير الفتاة الليبية وتقف- في كثير من الأحيان - عائقا في سبيل تحقيقها لأهدافها.
وأكد هذه الحقيقة علميا أحد الدارسين حيث قام بدراسة لأربع قصص قصيرة كتبتها أربع فتيات متقاربات في السن، وانتهى إلى نتيجة تفيد بتحكم الموروث الاجتماعي من العادات والتقاليد والأحكام الجاهزة في عقلية الفتاة الليبية،وفي نظرتها للمستقبل، وفي علاقتها بالرجل،وغيرها من أمور الحياة وشؤون المجتمع.
وتؤكد هذه النتيجة أن حرية المرأة لن تتحقق إلا إذا تمردت علي الثقافة السائدة ،وعلي أنماط الكتابة التي تحدد مشيتها، وتشعرها بالدونية وتعمل على إقصائها عن حركة الحياة وتقلل من شأنها وتحط من قدرها، فالثقافة السائدة ثقافة ذكوريّة تقوم علي التمييز بين الرجل والمرأة،وتدفع بالمرأة إلي التغرب عن واقعها وإغرائها بالوقوع تحت هيمنة ثقافته لتتقبل قيمه وسلوكه ،ونظرته للحياة،وبعبارة مختصرة فإنه يجندها ضد نفسها.
وعلى الرغم من ضآلة مساهمة المرأة في المجال الأدبي، وفي مجال القصة بصورة خاصة فإن فترة السبعينات شهت صدور بعض المجموعات القصصية القصيرة، مثلما شهدت فترة الثمانينات صدور بعض الدواوين الشعرية، لكن نشر هذه المجموعات والدواوين في كتاب لا يعني أن تاريخ النشر هو تاريخ الإنتاج فمعظم تلك القصص وكثير من القصائد قد نشرت في الصحف والمجلات قبل نشرها في كتاب بوقت طويل.
أما فن الرواية فقد تأخر ظهوره في ليبيا كثيرا مقارنة بمعظم الأقطار العربية حيث يذكر الدكتور الصيد أبوديب أن (أول رواية ليبية أصدرت مدينة طرابلس بشأنها شهادة ميلاد فهي بعنوان (وتغيرت الحياة) للكاتب الليبي محمد فريد سيالة نشرت علي حلقات في مجلة (هنا طرابلس الغرب)في أواخر عام 1957م.
ونشر الكاتب نفسه رواية ثانية بعنوان (الحياة صراع) في المجلة نفسها علي خمس حلقات كانت أخرها بالعدد 55 وأتبع هاتين الروايتين برواية ثالثة بعنوان (اعترافات إنسان) نشرت أولا على حلقات في مجلة هنا طرابلس ثم نشرت في كتاب سنة 1961م.
وشهد العقد السادس حضورا ملحوظا للرواية الليبية المطبوعة في كتاب مثلما شهد أيضا ظهور كاتبين جديدين هما محمد علي عمر الذي أصدر رواية (أقوي من الحرب)سنة 1962م ورواية (حصار الكوف) سنة 1964م،وسعد عمر غفير سالم الذي أصدر رواية (غروب بلا شروق)سنة 1968م ،وسجل هذا العقد أيضا ظهور أول رواية نسائية للكاتبة مرضية النعاس بعنوان (شيء من الدفء)نشرت أولي حلقاتها في مجلة المرأة في 5/12 /1968م.
وفي العقد السابع والذي يليه تسارعت وتيرة الراويات وتتالت أسماء عدة منها شريفة القيادي وقد مثلت ومرضية النعاس الجيل الأول ونجوى بن شتوان من بعدها ممن مثلن الجيل الثاني.
-----
أريج خطاب
(كاتبة وأكاديمية ليبية مقيمة في مصر)