تعبيرية التشكيل الفني: مكونات اللوحة، وعلاقتها بالبديل الثوري قراءة في لوحة تشكيلية، للرسامة سعاد العتابي بقلم الناقدة: سامية البحري/ تونس
سعاد العتابي
تعبيرية التشكيل الفني: مكونات اللوحة، وعلاقتها بالبديل الثوري
قراءة في لوحة تشكيلية، للرسامة سعاد العتابي
بقلم الناقدة: سامية البحري/ تونس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مدخل:
إنّ الفنّ متعدّد، متنوع، وقد يستند إلى "الحرف" كما الأدب عموما، أو إلى الحركة والاشارة كما المسرح، أو إلى الخطوط والزوايا والألوان، كما الرّسم.
والصورة ـفي عصرنا ـ تشكّل قوّة ثقافية، قادرة على زعزعة الثوابت، وتحريك الرّاكد، كما يمكن لها أن تؤسس لقيم جديدة، وأن تبعث برسالة اصلاحية إلى المجتمع.
ولعل العمل الذي أبسطه للنظر، يكشف هذه الأبعاد والخفايا، والمتأمل في هذه اللوحة، تراوده الألوان، وتحاصره الزوايا، فيغوص في مكنونها، علّه يظفر بجواهرها الثمينة .
فماهي أبعاد هذه اللوحة؟
1 ـ اتقان لعبة الخاصية:
استندت الرسامة إلى لعبة "خاصية الألوان"، فركّزت على ( الهُوية) أي (الصَّبغَة) وهي التي تميّز أحد الألوان من الألوان الأخرى، فنجد الألوان التالية: (الأحمر، الأزرق، الأصفر والأخضر) ودعّمت تلك الخاصية، بخاصية "التَّشَبُّع" أي "الكَثاَفة" فجاءت الألوان قويّة، وأكثر اشعاعا، ونصوعا.
ومن هنا برزت الخاصية الثالثة وهي (الحرارة ) أي "الألوان الدّافئة" أو "السّاخنة".
والاشتغال على هذه الخصائص يكشف عن قدرة فائقة في ترتيب هذه الألوان، وتوزيعها على مساحات مختلفة ومتوازنة.
إنّ قيمة اللوحة لا تكمن في استعمال الألوان الجذّابة، بل تكمن في قدرة الرسامة على ترتيب هذه الالوان ببراعة فائقة، تؤكد أنها تملك ريشة "الفنّان الحقيقي" والمتمكن .
2ـ مرجعيّة الألوان وعلاقتها بالعالم المنشود:
بالنّظر في عالم الألوان نلاحظ أن اللوحة تقوم على توازن بصري بين جملة من الألوان، يكشف حرص الرسامة على خلق علاقة متوازنة بين عالم الألوان، ونشرها على مساحات تكاد تكون متوازية، ولعلّ انتشار الألوان الحارّة، يوحي بالحيوية، والتّهيج، والعنف، لكنّه العنف الثوريّ الذي يؤسس، ولا يهدم، وهو ما يتفاعل مع طبيعة الموضوع، الذي سعت الرسامة لابرازه بطرق مدروسة، ودقيقة.
كما يمكن أن نفسّر غياب الألوان الباردة ـ التي توحي بالهدوء والسّكينة ـ برغبة دفينة تعيشها الرسامة، والحلم المنشود، حلم الحريّة والانعتاق من واقع مكبل بعراقيل مختلفة ومتعدّدة.
وهذا الحلم يستوجب التمرد، والتحدي والمغامرة.
وهنا يصبح الفنّ تنشيطا للمخيال من أجل المساهمة في توليد هذا الحلم.
ندرك إذن، في ضوء ما تقدّم، أن هذه "اللوحة" تعيش داخل مدارات الثورة، التي تسكن في فكر صاحبتها، لذلك وردت مليئة بالتّحفّز والتّرجرج، فهي تحاول أن تكسر ثقافة الخوف المعشّشة داخل الذات العربية، المتفجّعة، المولعة بالوقوف على الأطلال، لتقول: إنّ الثائر الصّغير يسكن منّا الفؤاد، وما علينا إلا أن نطلق جناحيه، ليحلّق عاليا، رغبة في نحت كيان، وصناعة الفرح "القابع تحت أنقاض الحزن"
يمكن أن نجزم أنّ هذه اللوحة، تمثّل فعلاالفضاء الذي تتحرّك داخله قصائد الشاعرة، سعاد العتابي، المشحونة بالحلم، والثورة الخصبة، فتحاول أن ترتاد جميع الأفاق، وأن تعانق الجنة المنشودة.
خاتمة:
يولد الابداع من رحم المأساة،وتتحد كل الفنون في سبيل المقاصد الهادفة، المؤمنة بعالم أفضل للانسان.
هكذا إذن، تأتي هذه اللوحة مأخوذة بالبحث، والتجاوز، داعية إلى الثورة الخصبة، إذ حشدت الرّسامة ـ وهي تصوغ اللّون ـ كلّ طاقاتها، وخبراتها، ومضت بعيدا داخل مدارات البحث، وافاقه.
تلك هي المبدعة، الشاعرة، الفنّانة، المسافرة في جسد القصيدة، والملتحمة بعالم الألوان، الأستاذة سعاد العتابي، تمتلك "سحر البيان" و "سحر الرّيشة"، من هنا يولد الابداع، والابداع على الابداع، اعجاز وبيان.
أرحل وأنا أرفرف كفراشة في عالم الألوان، أحلم أن أثورعلى كل الأحزان والأوجاع، أحلم بمدينة الفرح والأمل والخير والجمال.
مع تحياتي وتقديري
الامضاء: الأستاذة سامية البحري Nefer Titi