أخبار قناة الشمس

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
المخرج محمد فرحان

محمد الياسري الحسيني الشطري الذي يعد صاحب اول مزاد لبيع الكتب في "شارع المتنبي" المركز الثقافي المفتوح في العاصمة بغداد

محمد الياسري الحسيني

الشطري الذي يعد صاحب اول مزاد لبيع الكتب في "شارع المتنبي" المركز الثقافي المفتوح في العاصمة بغداد، كان قد ادخل الى المستشفى قبل خمسة ايام، نتيجة فشل كلوي، وتلقى الوسط الثقافي العراقي رحيل الشطري بأسف بالغ .
كما ونعت الأوساط الأدبية والثقافية العراقية اليوم المكتبي العراقي الأبرز نعيم ألشطري والذي عرفه جمهور القراء بائع كتب من طراز فريد في العراق عموما وفي شارع المتنبي بشكل خاص.
يشار الى ان نعيم الشطري يعد من بين أشهر وأقدم الكتبيين في شارع المتنبي، وعلى الرغم من كثرة المكتبات في شارع المتنبي الا انه تميز وسط الجميع بمزاده العلني الاسبوعي في ايام الجمع من كل اسبوع، الذي يقول الشطري في تصريح له انه اخذ فكرته من النجفيين
ولم يتوقف نشاط الشطري عند حدود بيع وشراء الكتب، وانما مكتبته قامت بنشر كثير من الكتب في الشعر الشعبي، مثل حياة وشعر الحاج زاير "من منشورات مكتبة الشطري".
كان ألشطري ترك مدينته قضاء الشطرة شمال محافظة ذي قار منذ خمسة عقود خلت وتوجه إلى العمل في شارع المتنبي كبائع كتب ، حتى أصبح جزء من هوية الشارع وعلامة فارقة من علاماته .
وتولى ألشطري المتاجرة بالكتب بين المحافظات في بداية حياته المهنية ثم ما لبث أن افتتح مكتبة خاصة له في شارع المتنبي قبل ان يستحصل الموافقات الأصولية لبيع الكتب عن طريق المزاد العلني الأسبوعي حيث كان هو أول من قام به في الشارع مستغلا صوته الجهوري .
وطبقا لما نقلته وسائل اعلام عن مقربين له فان ألشطري الذي عاش وحيدا ومات وحيدا أوصى بان يتم تشيعه في شارع المتنبي وليس في أي مكان أخر .
في كل يوم جمعة يتجمع حول مكتبة الشطري الصغيرة اصدقاؤه ومحبوه ورفاقه القدماء للتعارف والسلام والسؤال والنقاش حول آخر الإصدارات من الكتب وكذلك عن كل ما هو ساخن من الامور السياسية والحياتية، بالإضافة الى كون الشطري استعلامات غير رسمية للشارع فكل من يسأل على عنوان معين او شخص او كتاب يتوجه نحو الشطري فيجد دالته، انه كما يقال مختار الشارع غير المنتخب وكل من له امانة الى شخص لم يحضر يومها الى المتنبي يضعها عند الشطري ليستلمها صاحبها في اي وقت كاملة سالمة، انه الشطري الامين والصادق وحتى من لا يعرف الشطري من زوار شارع المتنبي، ما ان يدخل المتنبي من جهة شارع الرشيد الا ويسمع صوت الشطري وهو كالأسد الجريح الذي يزأر من شدة الالم بأبيات شعرية تتغنى وتمجد بغداد ودموعه تنهمر مع الاشعار آسفاً على بغداد وما حل بها او وهو يردد ابيات الجواهري الكبير في تمجيد رموز الحركة الوطنية في العراق :
سلاماً على مكبل بالحديد
ويشمخ كالقائد الظافر
كان القيود في معصميه
مفاتيح مستقبل زاهر
وعندما تخفت الحركة في السوق ويقل البيع يردد الشطري دارميته الشهيرة :
كلمن يكلك زين كلة انت چذاب
الشطري صار اسبوع ما بايع كتاب
علاقته بشارع المتنبي:
قال في حديث سابق له : "بدأت علاقتي بشارع المتنبي منذ اواخر عام 1963، حين كنت اجيء اليه لشراء الكتب وارسالها الى مدينة الشطرة والمحافظات، واذكر اننا كنا نحملها في عربات من ذوات العجلات الثلاث وندفعها الى حيث مرآب السيارات لننقلها، وقد اخترت هذه المهنة، لان هوايتي منذ الصغر القراءة التي ابتلاني الله بها، وصار الكتاب كل شيء بالنسبة لي، وبعدها اسست اول مكتبة في (الشطرة) في شعر ايلول عام 1958، ثم سجنت لمدة سنتين، وبعد خروجي من السجن جئت الى بغداد لابدأ من هذا الشارع".
وعن مزاد الكتب الذي احياه وكان احد مظاهر الشارع، قال : "اود ان اقول اولا انني اول من اوجد بيع الكتب على الرصيف بما يسم (البسطية) وكنت انثر الكتب في (عربانة) واقف على الرصيف ولم يكن هذا معروفا من قبل، ولاقت هذه الظاهرة حضورا كبيرا، اما المزاد فكان قبل عشرين عاما، اي في اواخر الثمانينيات بعد ان حصلت على موافقة من الامن العامة بعد ان اخذت وقتا طويلا، وقد شجعني على اقامة المزاد العلامة المرحوم حسين علي محفوظ والشهيد عزيز السيد جاسم وثامر عبد الحسن العامري والصحفي عادل العرداوي، فهم ساعدوني في الحصول على الاجازة، وجاءت فكرة المزاد من كتاب عنوانه (تأريخ أداب اللغة العربية) لـ (جرجي زيدان) انه كان يستعين بالاب انستاس الكرملي في معرفة المكتبات الشخصية في بغداد والمحافظات، ويقول في الجزء الرابع منه ان هناك في مدينة النجف في مرحلة الاربعينيات يقام كل يوم خميس وجمعة مزاد للكتب القديمة والمخطوطات، وفي هذا المزاد كان الكتاب الجيد يباع بأبخس الاثمان كي يشتريه اصحاب المزاد بينما يباع الكتاب العادي بأغلى الاثمان كي يربحوا من بيعه، من هنا.. جاءتني الفكرة لاقامة المزاد في كل يوم جمعة، وبعد ان حصلت على الاجازة، ولي الشرف ان يكون اول مزاد للكتب في شارع المتنبي بأسمي، وحينها اتيت بأولاد اخي وفرشت لهم الكتب على الارض ورحت انادي لبيعها، ومنها انتشرت ظاهرة بيع الكتب على شكل (بسطيات) فيما كنت الوحيد اقوم بالمزاد".
حس فكاهة الشطري الثقافي:
كانت طريقته الجميلة والمحببة عنصر اخر في بهجة الشارع لترى جموع رواد المتنبي يأنسون بتلك الطريقة وذلك التلحين بالكلام، فيستطيب لهم الوقوف للاستماع الى تلك التلحينات اللطيفة واشهرها لازمته الشهيرة (كعيك بن جريك البقصمي) اشارة لاسم مؤلف ما لإسباغ نوع من الطرافة على تلك الاجواء البهيجة، واحيانا يستفز اهل اللغة بتلحيناته بحيث يتلاعب بالحركات، فيقفون استطلاعا لما يحدث، كما استفز في احد الايام السالفة العلامة (مصطفى جواد) الذي كان بصحبة الدكتور (فؤاد عباس)، في احد امكنة بيع الكتب حينما كان يردد جملة (تنزيلات هائلة بالكتب بالضم وليس بالجر)، وحينها التفت الدكتور مصطفى جواد رحمه الله.الى زميله (فؤاد عباس) وقال له (باوع دكتور هذا الشاب يستفزنا) واطلق ضحكة مجلجلة شاركه الجميع بها. ويذكر الكتبي نعيم الشطري بانه تعمد تلك الحركة للفت نظر العلامة مصطفى جواد. كما يتعمد في مزاده اللاحق استفزاز الكثير من الادباء واهل اللغة والتاريخ تعليقاته الساخرة ولازماته اللطيفة.
بعض المضايقات التي تعرض لها :
لقد تعرض الى الاعتقال بتهمة (شيوعي) وامضى مدة سنة ونصف في سجن الكوت حتى اتيح له الهرب من السجن مع عدد من المعتقلين من بينهم (فخري كريم زنكنة وحسن العتابي رحمه الله) لكنه اعيد اليه بعد اعتقالهم مجددا.. واوقف في موقف الامن العامة قرابة الشهر والنصف بتهمة بيع كتب ممنوعة من بينها مجلدات صحف الثورة والجمهورية واتحاد الشعب، وهي في الحقيقة جزء من مجموعة الباحث المعروف (سليم طه التكريتي) التي باعها له، بعد ان ضبطت بحوزة احد المواطنين الكرد وهو يروم نقلها الى شمالنا الحبيب. وكان التركيز على صحيفة (اتحاد الشعب) الشيوعية،اعتبر ترويجا لهذه الصحيفة الممنوعة وقتذاك، ولكونه شيوعي سابق.. ودوهمت مكتبته في احدى المرات من قبل اجهزة الامن على اثر وشاية تبرع بها شخص كان غارقا بأفضال الشطري المسكين، والغريب ان عناصر الامن كانوا يحددون موقع الكتب، ويطلبون انزالها ، ويقول: لقد وجدوا كتابا عن الامام الخميني ، وكتاب (انا يساري) لشاكر السماوي وكتب دينية وحسينية ، وافهمتهم انني لم اعرضها للبيع وانما جاءتني مع مجاميع الكتب التي اشتريتها وكدت اسجن في وقتها ، فضلا عن مضايقات اخرى. ان (نعيم الشطري)كان امينا وعاشقا لهذه المهنة النبيلة التي منحته رصيدا هائلا من الذكريات وهو يحرص كل يوم على التواجد في الشارع على الرغم من تواصل العمل فيه، والذي يقول عنه: ان زمن اعمار الشارع طال كثيرا ، حيث ان العمل يجري ببطء ، وقد تعثرت حركة الكتاب في الشارع الذي نأمل ان يكون زاهيا بحلته الجديدة، وسوقا رائدة للكتاب عموما، في العراق والبلاد العربية.. ويبقى قبلة لعشاق الكتاب، ومنارا للمعرفة والثقافة والعلوم وملتقى للاحبة والمبدعين.
image
 0  0  354