تاج االمعارضين داوود الفرحان
مقال الكاتب الكبير داود الفرحان في مجلة اليمامة
لاتحيا في عزلة
داود الفرحان
صدرت رواية «100 عام من العزلة» للأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز في عام 1967. وحتى الآن طُبع منها نحو ثلاثين مليون نسخة وتُرجمت إلى ثلاثين لغة بينها العربية. وهي تتحدث عن شخصية «ماكدوندو» البسيطة التي تتحول فجأة إلى مصدر تنغيص يومي بسبب الصراعات السياسية. وتمتد الرواية عبر قرن كامل متداخلة بين الأحداث والأساطير في قرية خيالية تدور فيها قصص حب ناجحة وفاشلة مثل أي قرية أو مدينة أخرى في العالم. وتترافق تلك القصص مع صراعات متشابكة وحروب بين الأجداد والآباء والأبناء والأحفاد. رواية فيها شبه كبير برواية «العراب» لماريو بوزو. وبينما نال «العراب» جوائز أوسكار بأجزائه الثلاثة حظيت قصة «مائة عام من العزلة» بجائزة نوبل في الآداب لعام 1982.
وفي النهاية هبت الرياح المشؤومة على القرية وقضت عليها مع سكانها كلهم. قد نجد شبهاً كبيراً بين هذه الرواية وما يجري في بلادنا شرقاً أو غرباً؛ في فلسطين والعراق وسوريا واليمن وليبيا. كلها دول أُنهكت أو انهارت أو غرقت في دماء الحروب والأحقاد والجهل والفتن والفساد.
هذا خبر سعيد وجديد إلى جمهور السينما في كل مكان: نجحت شركة «نتفليكس» الأمريكية العملاقة في الاتفاق مع ورثة الروائي الكولومبي الأبرز ماركيز لإنتاج أيقونة الروايات العالمية «100 عام من العزلة» سينمائياً. لقد ظل هذا الأمر عسيراً خلال العقود الأخيرة من حياة ماركيز لأن شروطه كانت صعبة بهدف الحفاظ على روح النص الأصلي. الآن سيتولى ولداه الوريثان الإنتاج التنفيذي للرواية الطويلة الكبرى في سلسلة أفلام على طريقة سلسلة «العراب» وتعرض أولاً في دور السينما ثم تُبث على شبكة الإنترنت حصرياً أسوة بكثير من إنتاج هذه الشركة السينمائية الإلكترونية.
وعلاقة ماركيز بالسينما ليست طارئة؛ فهو أنشأ في عام 1986 بدعم من صديقه الزعيم الكوبي الراحل فيدل كاسترو «المعهد الدولي للسينما والتلفزيون» في كوبا. كما أنتجت السينما له عدة روايات من قبل مثل «ليس للكونويل من يكاتبه» التي تدور أحداثها في القرية ذاتها التي تدور فيها أحداث «100 عام من العزلة». وكان ماركيز يحلم بأن يؤدي أدوار البطولة في الفيلم، الذي سيتم إنتاجه بميزانية ربما هي الأكبر في تاريخ السينما، النجم العالمي روبرت دي نيرو والنجمة الإيطالية التي لا تضاهى صوفيا لورين. وسيصوَر حوار نسخة الفيلم الأساسية باللغة الإسبانية ثم يُترجَم ويُدبلَج إلى لغات أخرى، وربما سيؤثر «الدوبلاج» على جمالية الحوار، لكن الفيلم سيخلد الرواية ويكسبها شعبية أكبر.
ومن أشهر الروايات العالمية التي خلدتها السينما: «الإخوة كارامازوف» لدوستويفسكي، و«أنا كارينا» لتولستوي، و«عوليس» لجيمس جويس، و«1984» لجورج أورويل، و«الشيخ والبحر» لإرنست همينجواي، و«الوباء» لألبير كامو، و«عندما كنت أحتضر» لوليم فوكنر، و«المحاكمة» لفرانز كافكا، و«لوليتا» لفلاديمير نابوكوف، و«نساء صغيرات» للويزا الكوت، و«جين إير» لشارلوت برونتي. وكلها نجحت على الورق وتفوقت على الشاشة. أما عربياً فهناك معظم روايات نجيب محفوظ وبينها «بين القصرين»، و«اللص والكلاب»، و«بداية ونهاية»، و«القاهرة 30»، و«السِمّان والخريف»، و«ميرامار»، و«ثرثرة فوق النيل»، و«الكرنك»، و«أهل القمة»، و«الحب فوق هضبة الهرم». وكذلك أنتجت السينما روايات ليوسف إدريس أهمها: «الحرام» و«الندّاهة» و«العيب» وكلها أفلام تنتصر للمرأة ضد الرجال. وأنتجت السينما المصرية معظم روايات وقصص إحسان عبد القدوس. ومنحت الشاشة شعبية واسعة للأدباء الذين عُرضت رواياتهم فيها سينمائياً. وأتذكر أن الرئيس العراقي الراحل عبد السلام محمد عارف حضر حفل العرض الأول لفيلم «الحرام» من بطولة فاتن حمامة في سينما النصر في بغداد عام 1964 مع عدد من كبار رجال الدولة، وهو أمر لم يكن مألوفاً.
ولمن لم يقرأ رواية ماركيز، هذه باقة من سطورها التي تصلح لكل زمان ومكان:
- الزمن لا يمشي في خط مستقيم أو متعرج. إنه يمشي داخل دائرة.
- سنرحل وحدنا إذا لم يكن أحد يريد الرحيل معنا.
- لا لن نذهب، سوف نبقى هنا لأننا أنجبنا هنا واحداً من أبنائنا.
- لم يمت لنا أحد هنا، ولا ينتسب الإنسان إلى أرض لا موتى له تحت ترابها.
- إذا كنت تريد أن ترحل، فحاول، على الأقل، أن تتذكر كيف كنا هذا المساء.
- ما أغربنا! نقضي أعمارنا في محاربة رجال الدين، بينما نقدم كتب الدين هدايا.
- الأبواب اخترعت لكي تظل مغلقة.
- المرء لا يموت عندما يتوجب عليه الموت، وإنما عندما يستطيع الموت.
- لم يكن يهتم بالموت وإنما بالحياة. ولهذا فإن الإحساس الذي راوده عندما نطقوا بالحكم لم يكن إحساساً بالخوف، وإنما بالحنين إلى الماضي.
.. وأخيراً، إذا أردت الرحيل أو البقاء، تذكر نصيحة ماركيز: لا تحيا في عزلة.
لاتحيا في عزلة
داود الفرحان
صدرت رواية «100 عام من العزلة» للأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز في عام 1967. وحتى الآن طُبع منها نحو ثلاثين مليون نسخة وتُرجمت إلى ثلاثين لغة بينها العربية. وهي تتحدث عن شخصية «ماكدوندو» البسيطة التي تتحول فجأة إلى مصدر تنغيص يومي بسبب الصراعات السياسية. وتمتد الرواية عبر قرن كامل متداخلة بين الأحداث والأساطير في قرية خيالية تدور فيها قصص حب ناجحة وفاشلة مثل أي قرية أو مدينة أخرى في العالم. وتترافق تلك القصص مع صراعات متشابكة وحروب بين الأجداد والآباء والأبناء والأحفاد. رواية فيها شبه كبير برواية «العراب» لماريو بوزو. وبينما نال «العراب» جوائز أوسكار بأجزائه الثلاثة حظيت قصة «مائة عام من العزلة» بجائزة نوبل في الآداب لعام 1982.
وفي النهاية هبت الرياح المشؤومة على القرية وقضت عليها مع سكانها كلهم. قد نجد شبهاً كبيراً بين هذه الرواية وما يجري في بلادنا شرقاً أو غرباً؛ في فلسطين والعراق وسوريا واليمن وليبيا. كلها دول أُنهكت أو انهارت أو غرقت في دماء الحروب والأحقاد والجهل والفتن والفساد.
هذا خبر سعيد وجديد إلى جمهور السينما في كل مكان: نجحت شركة «نتفليكس» الأمريكية العملاقة في الاتفاق مع ورثة الروائي الكولومبي الأبرز ماركيز لإنتاج أيقونة الروايات العالمية «100 عام من العزلة» سينمائياً. لقد ظل هذا الأمر عسيراً خلال العقود الأخيرة من حياة ماركيز لأن شروطه كانت صعبة بهدف الحفاظ على روح النص الأصلي. الآن سيتولى ولداه الوريثان الإنتاج التنفيذي للرواية الطويلة الكبرى في سلسلة أفلام على طريقة سلسلة «العراب» وتعرض أولاً في دور السينما ثم تُبث على شبكة الإنترنت حصرياً أسوة بكثير من إنتاج هذه الشركة السينمائية الإلكترونية.
وعلاقة ماركيز بالسينما ليست طارئة؛ فهو أنشأ في عام 1986 بدعم من صديقه الزعيم الكوبي الراحل فيدل كاسترو «المعهد الدولي للسينما والتلفزيون» في كوبا. كما أنتجت السينما له عدة روايات من قبل مثل «ليس للكونويل من يكاتبه» التي تدور أحداثها في القرية ذاتها التي تدور فيها أحداث «100 عام من العزلة». وكان ماركيز يحلم بأن يؤدي أدوار البطولة في الفيلم، الذي سيتم إنتاجه بميزانية ربما هي الأكبر في تاريخ السينما، النجم العالمي روبرت دي نيرو والنجمة الإيطالية التي لا تضاهى صوفيا لورين. وسيصوَر حوار نسخة الفيلم الأساسية باللغة الإسبانية ثم يُترجَم ويُدبلَج إلى لغات أخرى، وربما سيؤثر «الدوبلاج» على جمالية الحوار، لكن الفيلم سيخلد الرواية ويكسبها شعبية أكبر.
ومن أشهر الروايات العالمية التي خلدتها السينما: «الإخوة كارامازوف» لدوستويفسكي، و«أنا كارينا» لتولستوي، و«عوليس» لجيمس جويس، و«1984» لجورج أورويل، و«الشيخ والبحر» لإرنست همينجواي، و«الوباء» لألبير كامو، و«عندما كنت أحتضر» لوليم فوكنر، و«المحاكمة» لفرانز كافكا، و«لوليتا» لفلاديمير نابوكوف، و«نساء صغيرات» للويزا الكوت، و«جين إير» لشارلوت برونتي. وكلها نجحت على الورق وتفوقت على الشاشة. أما عربياً فهناك معظم روايات نجيب محفوظ وبينها «بين القصرين»، و«اللص والكلاب»، و«بداية ونهاية»، و«القاهرة 30»، و«السِمّان والخريف»، و«ميرامار»، و«ثرثرة فوق النيل»، و«الكرنك»، و«أهل القمة»، و«الحب فوق هضبة الهرم». وكذلك أنتجت السينما روايات ليوسف إدريس أهمها: «الحرام» و«الندّاهة» و«العيب» وكلها أفلام تنتصر للمرأة ضد الرجال. وأنتجت السينما المصرية معظم روايات وقصص إحسان عبد القدوس. ومنحت الشاشة شعبية واسعة للأدباء الذين عُرضت رواياتهم فيها سينمائياً. وأتذكر أن الرئيس العراقي الراحل عبد السلام محمد عارف حضر حفل العرض الأول لفيلم «الحرام» من بطولة فاتن حمامة في سينما النصر في بغداد عام 1964 مع عدد من كبار رجال الدولة، وهو أمر لم يكن مألوفاً.
ولمن لم يقرأ رواية ماركيز، هذه باقة من سطورها التي تصلح لكل زمان ومكان:
- الزمن لا يمشي في خط مستقيم أو متعرج. إنه يمشي داخل دائرة.
- سنرحل وحدنا إذا لم يكن أحد يريد الرحيل معنا.
- لا لن نذهب، سوف نبقى هنا لأننا أنجبنا هنا واحداً من أبنائنا.
- لم يمت لنا أحد هنا، ولا ينتسب الإنسان إلى أرض لا موتى له تحت ترابها.
- إذا كنت تريد أن ترحل، فحاول، على الأقل، أن تتذكر كيف كنا هذا المساء.
- ما أغربنا! نقضي أعمارنا في محاربة رجال الدين، بينما نقدم كتب الدين هدايا.
- الأبواب اخترعت لكي تظل مغلقة.
- المرء لا يموت عندما يتوجب عليه الموت، وإنما عندما يستطيع الموت.
- لم يكن يهتم بالموت وإنما بالحياة. ولهذا فإن الإحساس الذي راوده عندما نطقوا بالحكم لم يكن إحساساً بالخوف، وإنما بالحنين إلى الماضي.
.. وأخيراً، إذا أردت الرحيل أو البقاء، تذكر نصيحة ماركيز: لا تحيا في عزلة.