×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
مديرة التخرير سعاد العتابي

جنس الرواية قادر على استيعاب إشكالات العصر، ومعالجة شتى الموضوعات.. الكاتبة والناقدة د. سامية غشير في حوار مع الصحفي مصطفى بوغازي/ الجزائر

[RIGHT]

GHT]image[



جنس الرواية قادر على استيعاب إشكالات العصر، ومعالجة شتى الموضوعات.. الكاتبة والناقدة د. سامية غشير في حوار مع الصحفي مصطفى بوغازي/ الجزائر


سامية غشير كاتبة وباحثة أكاديمية من الشرق الجزائري، (ولاية سكيكدة)، حاصلة على دكتوراه في الأدب العربي، مهتمة بالبحث في الرواية الجزائرية المعاصرة، والمسرح والسينما.

كتبت في الدراسة والقصة والرواية أي المسالك ترينه الأقرب إلى اهتماماتك والوعاء الأمثل لفعل الكتابة؟
كتبت في شتى الأجناس الأدبية، شعرا وخاطرة، وقصة ورواية، وأقرب جنس إلى اهتمامي هو جنس الرواية الذي أرى أنه قادر على استيعاب إشكالات العصر، ومعالجة شتى الموضوعات التي يثيرها الراهن، إضافة إلى انفتاحه وغناه بمختلف المرجعيات المعرفية والثقافية من تاريخ وفلسفة، ودين وسياسة، وعلم النفس وعلم الاجتماع.. وغيرها، فالرواية أضحت موضة العصر ومحور اهتمام الكثير من المبدعين الذين تدافقوا على الكتابة في هذا الجنس لثرائه وتشعبه، وتعددية مرجعياته. فأنا مثلا توجهي في الكتابة توجه فلسفي وجودي، أتبنى مقولات الفلاسفة الوجوديين، وأعالج قضايا عديدة أبرزها القلق والاغتراب والموت...وغيرها


تعج الساحة بكتابات في الرواية هل استطاع النقد أن يلم بهذا الكم حتى تستحق المصنفات الجيدة أن تحتل مكانها الطبيعي في ساحة الرواية؟

الجلي أن الفن الروائي أضحى هو المهيمن في المشهد الأدبي، إذ نجح في مد دور النشر بتجارب جديدة من كل الأعمار والأجناس، والظاهر أن فئة الشباب أصبحت تحتل موقعا متميزا سواء من ناحية إبداع نصوص جديدة، أو من ناحية الحضور الإعلامي، غير أن تلك الأعمال بعضها يستحق القراءة والمتابعة النقدية، وبعضها الآخر كتب على عجالة، دون مراعاة شروط كتابة العمل الروائي. وهذا ما صعب من عملية قراءة ودراسة هذه الأعمال نقديا وأكاديميا، فالنقد - خاصة في الجزائر - ما زال قاصرا قليلا عن متابعة الأعمال الروائية الجديدة، حتى في الجامعات نجد اهتماما كبيرا من قبل الباحثين والطلبة بدراسة أسماء بعينها، خاصة الأسماء التي حققت شهرة ومقروئية، واغفال التجارب الروائية الجديدة التي لم تجد من ينصفها نقديا.


ما أهمية النقد للأعمال الأدبية وفي حياتنا بشكل عام ولماذا نلجأ إليه؟

النقد مهم جدا لمتابعة الأعمال الأدبية وإضاءة عتماتها، وتقييمها، وتبيين جيدها من رديئها، إضافة إلى التعرف على الظروف التي أنتجتها، ومرجعياتها، وتطبيق الآليات المنهجية المناسبة لكل نص، فالأعمال التي لا تنقد هي أعمال ستنسى، أما الأعمال التي تحظى بالنقد والدراسة فهي التي تحقق الصدى والأهمية والخلود.

هل يمكن الحديث عن نقد عربي رصين ومواكب للراهن الأدبي ؟

نعم، هناك تجارب نقدية عربية - رغم قلتها- تستحق الذكر والتنويه، حيث أغنى الكثير من النقاد العرب حقل النقد العربي بدراسات عميقة وممنهجة نابعة عن فهمهم الواعي للنقد الغربي وآلياته المنهجية، لكن رغم ذلك فالنقد العربي بحاجة إلى تصور جديد أصيل يعيد له صورته بعيدا عن التقليد والاستنساح الأعمى، فالتجارب النقدية العربية عند النقاد القدامى كانت أكثر رصانة وتأثيرا.

يواجه النقد العربي اليوم إشكالية كبيرة وتحديات عديدة خاصة من ناحية تطبيق المناهج والنظريات الغربية التي اتت عند الكثير من النقاد في صور عشوائية مستنسخة غير منظمة، فتطبيق تلك المناهج دون وعي ناضج بمرتكزاتها المعرفية والنظرية على الأعمال الأدبية العربية قد شوهها، فلا يجوز أن نطبق كل ما هو آت من الغرب على كل الأعمال العربية.

بعض الشعراء يكتب دراسة نقدية لرواية أو مسرحية والسارد يكتب عن الشعر ألا تتفقين مع التخصص بالأجناس الأدبية لتكون الدراسة مكتملة؟
أكيد، التخصص مطلوب وضروري من أجل فهم النص الأدبي ونقده وتحليله وتأويله وفق النظريات والمناهج النقدية، لكن بإمكان الشاعر أن يقدم دراسة نقدية، وبإمكان السارد الكتابة عن السرد، شريطة امتلاك روح النقد، وفهم طرائق وآليات التحليل فهما صائبا.

المزاوجة بين الكتابة في النقد والإبداع وهل هذا الوضع يخدمهما معا؟

نعم، المزاوجة بين الكتابة في النقد والإبداع يخدم المتخصص في مجال الآدب، فعلى الباحث ألا يركز على جانب ويهمل آخر؛ لأنهما مكملان لبعضهما البعض، وهذا من شأنه أن يحقق حضور الكاتب، ويثري معارفه، شريطة توافر الوعي النقدي، والإلمام بالآليات المنهجية، وانا شخصيا أحب ان أكتب في الإبداع والنقد؛ لأنهما يثريان تجربتي، فالإبداع يتصل اتصالا حميما بالنقد، ولا يمكن فصلهما.

تتجه الكتابة النسائية أكثر نحو الرواية كيف تقيمين السرد النسائي في الجزائر ؟

السرد النسائي في الجزائر لا تزال صورته ضبابية هشة، ويعاني أزمة على مستوى الهوية، وذلك راجع إلى أسباب عدة منها:
- سيطرة الكتابة الذكورية على المشهد السردي، فما يزال الصوت الإبداعي الذكوري الأكثر حضورا وشهرة ودراسة.
- طغيان أسماء بعض الكاتبات على المشهد الإبداعي سواء إبداعا أو نقدا أو دراسة او حضورا إعلاميا، وهذا ما وقف عائقا أمام ظهور تجارب نسائية تفرض نفسها وتفوقها، فظلت الكثير من الكتابات النسائية حبيسة رفوف المكتبات، دون أن تقرأ أو تدرس.
- ضعف الترويج للكتابات النسائية وقلة المنابر الإعلامية، وضعف حضور المرأة الثقافي في الجزائر.

هل هناك اتجاهات حديثة في الرواية المعاصرة ؟

هناك اتجاهات حديثة في الرواية المعاصرة وهي: اتجاه الرواية الاجتماعية التي عالجت قضايا المجتمع المختلفة منها العنف والتابوهات (الدين، السياسة، الجنس) وموضوعات المرأة وغيرها، وهناك اتجاه الرواية الواقعية التي ركزت على تصوير الواقع بمصداقية وموضوعية وصدق فني، وهناك اتجاه الرواية النفسية أو رواية تيار الوعي، التي تبنت نظرية فرويد ومقولاتها (الوعي واللاوعي، الكبت، المونولوج الداخلي، التداعي، والكبت) ودراسة العوالم الخفية للإنسان ، وسعت إلى التعبير عن أزمة الإنسان المعاصر وقضاياه المتعددة، وهناك اتجاه الرواية الجديدة أو التجريبية التي التي تميزت بالخرق والتجريب والانفتاح، والثورة على الرواية الكلاسيكية، وقد تمظهر الخرق على مستوى البنية الفنية (الشخصيات، المكان، الزمان، الحدث، السرد، اللغة...) إضافة إلى تمظهرات كثيرة كانفتاح الرواية على الفنون والأجناس المعرفية المختلفة، وتعدد المنظور والرؤى وغيرها، فهذه التحولات ناتجة عن تحولات حركة ما بعد الحداثة التي حررت الأدب العربي من الجمود وجعلته اكثر انفتاحا.

ما مدى تأثير غياب القارئ النموذجي المتفاعل في ازدهار الشعر؟

غياب القارئ النموذجي ادى إلى تقهقر مستوى الشعر وتغييبه، لأن الشاعر عادة يبحث عن قارئ منتج، ناقد، كاتب يعيد إنتاج النص، وتاويل دلالاته الظاهرة والمضمرة، فالمشكلة التي يعاني منها الشعراء هي أزمة قراء نموذجيين، يحققون للنص جماليته وحضوره عن طريق القراءة الواعية المنهجية الجمالية، فالقارئ العربي اليوم اتجه صوب الرواية التي وجد فيها متنفسه الحياتي والوجداني، على عكس الشعر الذي فقد - نوعا ما - حضوره الذي كان يتمتع به سابقا، فأكثر القراء اليوم لا يستوعبون عديد القصائد التي تنحو منحى الغموض والسيريالية والرمزية، فكانه أضحى موجها
إلى نخبة معينة متخصصة في الأدب والنقد تستطيع فك شفراته، وتأويل مدلولاته، وهذا ما صعب من مهمة الكاتب الذي لم يجد القارئ الذي يحل طلاسم نصوصه ويأولها تأويلا صحيحا وحقيقيا، فاليوم نشهد هروب الكتاب من الشعر إلى الرواية بعد فشلهم في العثور عن قارئ نموذجي ناقد، ووجدوه في الرواية.
فمشكلة القارئ النموذجي في وطننا العربي تعد مشكلة عويصة جدا، غيبت الكثير من الأعمال الأدبية خاصة الشعرية؛ لأن الشعر يختلف عن النثر في اشتماله على خصائص فنية كثيرة منها الترميز والتكثيف والغموض والتعقيد مرات، وهذا ما أفقده جمهوره.

هل المساحة التي توفرها المنابر الإعلامية كافية للاهتمام بالثقافة والأدب وترضي المبدعين؟

الترويج الإعلامي في الجزائر للأعمال الأدبية ضعيف ومحدود، لا يلبي طموحاتالمبدعين خاصة الشباب، ويكمن ذلك الضعف في قلة المنابر الإعلامية المروجة للإبداعات كالقنوات التلفزيونية والإذاعية وضعف الإشهار المهتمة بالتشهير لنتاجاتهم الإبداعية.
وفي هذا السياق أوصي الكتاب بإنشاء قنوات يوتيوب خاصة بهم، تروج لأعمالهم وتخلق لهم جمهورا خاصا بهم، إضافة إلى القيام بالندوات وحفلات التوقيع للقراء بحضور وسائل الإعلام المختلفة.

image



كلمة أخيرة:
شكرا جزيلا لك أستاذ بوغازي على هذا الحوار الثري، المتشعب والجميل، وعلى طرحك لأسئلة جادة ومهمة للكاتب والقارئ، وخاصة للمتخصص في مجال الأدب، كما أؤكد على ضرورة المزاوجة في الكتابة بين النقد والإبداع لأنها ضرورية جدا، كما أشجع الكتاب الشباب على خلق مساحة أكبر لإبداعهم من خلال تفعيل حضورهم، وجذب القراء إليهم، وانخراطهم في عديد الجمعيات والنوادي والمنابر التي تتيح لهم إيصال أصواتهم إلى شريحة أكبر من القراء، وأتمنى لك اديبنا المتألق المزيد من الإبداعات الهادفة الثرية فنيا وإنسانيا، وتقبل مني أسمى عبارات الشكر والتقدير والاحترام.


 0  0  1016